بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
سمير سعد الدين غوشه من مواليد مدينة القدس حي الشيخ جراح عام 1939م درس في مدارسها وحصل على الثانوية العامة من مدرسة الرشيدية فيها.
لقد بدأ سمير غوشة حياته النضالية في مرحلة مبكرة من عمره حيث بدأ يشعر بمرارة اللجوء والتشرد والحرمان من الأمن والأمان والاستقرار حيث هاجرت عائلته من حي الشيخ جراح الواقع خارج أسوار القدس إلى البلدة القديمة عام 1948م.
كان سمير غوشة من كوادر حركة القوميين العرب، ومن قادة الحركة الطلابية الفلسطينية (الاتحاد العام لطلبة فلسطين).
سطع نجم سمير غوشة وهو طالب في جامعة دمشق حيث كان الهاجس الفلسطيني يملأ العقول والقلوب وكان ذلك الشاب الوسيم ملفتاً للنظر في نقاشاته واستعداداته التلقائية للمشاركة في أجواء العمل الفلسطيني التي كانت متاحة في ذلك الوقت.
سمير غوشة حصل على شهادة البكالوريوس في طب الأسنان عام 1964م ولم يعمل بالقدس آنذاك بل اختار ميداناً خاصاً للعمل في مدينة الزرقاء بالأردن حيث افتتح عيادته لطب الأسنان.
كانت عيادته التي افتتحها في مدينة الزرقاء قد أصبحت مركزاً نضالياً وقومياً جمع حوله العديد من النشطاء وأصبح عضواً مسؤولاً في مدينة الزرقاء بقيادة حركة القوميين العرب (إقليم الأردن).
اعتقل د. سمير غوشة عام 1966م حيث قامت السلطات الأردنية باعتقال المئات من أعضاء التنظيمات المختلفة من قوميين عرب وبعثيين وشيوعيين وغيرهم، حيث كانت فترة اعتقاله مناسبة لإبراز صموده والتزامه.
عندما حصلت هزيمة حزيران عام 1967م كان د. سمير غوشة خارج القدس لذلك لم يشارك في النشاطات المختلفة داخل الأرض المحتلة التي حصلت بعد احتلال الضفة والقدس، ولكنه كان على اتصال مع رفاقه الذين شكلوا جبهة النضال الشعبي الفلسطيني.
شارك د. سمير غوشة في تأسيس الجبهة منذ بداية انطلاقتها بتاريخ 15/7/1967م، وكان عضواً قيادياً بارزاً وأمين سر الجبهة والمحرك الأساسي لها خلال فترة انطلاقتها وحتى انتخابه أميناً عاماً.
لقد فاجأ د. سمير غوشة العديد من أقرانه بأنه صدق القول بالعمل عندما تفرغ كلياً للعمل الوطني وفي صفوف الثورة الفلسطينية.
كان د. سمير غوشة عضواً في قيادة الكفاح المسلح عام 1969م ثم القيادة الفلسطينية المشتركة عام 1970م.
انتخب د. سمير غوشة أميناً عاماً للجبهة بإجماع أعضاء مؤتمر الجبهة الذي عقد عام 1974م.
كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1991م.
عمل د. سمير غوشة في كل من ساحة الأردن والساحة السورية والساحة اللبنانية وبقي فيها حتى اجتياح بيروت عام 1982م على أيدي القوات الإسرائيلية حيث غادرها متوجهاً إلى سوريا.
تزوج د. سمير غوشة من رفيقة عمره سحر عم علي بتاريخ 4/8/1983م.
غادر د. سمير غوشة سوريا إلى تونس عام 1989م ثم عاد إلى أرض الوطن عام 1994م، بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وعودة قوات منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها من الخارج.
عين أول وزير عمل فلسطيني بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية من عام 1994م- 1998م، إلا أنه قدم استقالته أواخر عام 1998م لأسباب سياسية تتعلق بالجانب التقاوضي والسياسي.
تسلم د. سمير غوشة ملف القدس وبيت الشرق بعد استشهاد القائد فيصل الحسيني من عام 2002م إلى عام 2003م.
يعتبر د. سمير غوشة الراعي الأول لحركة الجبهة على كافة الصعد السياسية والتنظيمية وأشرف على تطور الجبهة في كافة المجالات.
أقام علاقات وطيدة مع العديد من الدول الاشتراكية آنذاك مثل الاتحاد السوفيتي بلغاريا- بولندا- كوبا- فيتنام.
له العديد من الكتب والدراسات المتعلقة بالأوضاع السياسية والتنظيمية والاجتماعية.
عرف عنه تواضعه وإخلاصه في خدمة الشعب والقضية الوطنية الفلسطينية، كما عرف عنه موضوعيته في المواقف السياسية والمواقف المفصلية الفلسطينية.
لقد تميز د. سمير غوشة بقدراته على كسب الأصدقاء وكسب الثقة، وكذلك استطاع خلال فترة قصيرة أن يجعل من جبهة النضال الشعبي الفلسطيني قوة ميدانية كسب احترام الجميع حيث حرص على أن تلتزم الجبهة بمبادئ قومية التي نشأ عليها والتزم بها.
توفي د. سمير غوشة بتاريخ 3/8/2009م في العاصمة الأردنية عمان أثر إصابته بسرطان الرئة ونقل جثمانه إلى الضفة الغربية حيث أجريت له المراسم الرسمية ودفن في مقبرة مدينة البيرة بتاريخ 4/8/2009م حيث شاركت القيادة الفلسطينية في وداعة بعد الصلاة عليه.
هذا وقد نعى السيد الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) حيث قال: لقد كان د. سمير غوشة رجلاً معطاءً إيجابياً وطنياً يعمل من أجل الوحدة الوطنية وهو جزء ومكون رئيسي من مكونات منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك نعته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة والقوى الوطنية والإسلامية.
رحل الدكتور/ سمير سعد الدين غوشتة عن عمر ناهز سبعين عاماً قضاها في ساحات النضال الوطني وميادين الشرف والكفاح في سبيل قضية شعبه وأهدافه الوطنية الثابتة.
برحيل د. سمير غوشة خسر الشعب الفلسطيني رمزاً من رموزه الوطنية حيث شكل خسارة للمسيرة الكفاحية لشعبنا الفلسطيني على المستويين الوطني والقومي في هذا الوقت بالذات التي يتعرض المشروع الوطني الفلسطيني لمخاطر جسيمة جراء تصعيد العدوان على شعبنا الفلسطيني ومقدساته.
لقد رحلت عنا في وقت عصيب تمر به القضية الفلسطينية لقد كنت من المدافعين عن وحدة الشعب الفلسطيني وحماية القدس والدفاع عن عروبتها، لتبقى القضية الوطنية الفلسطينية خالدة في قلوب أبناء شعبنا جيلاً بعد جيل.
رحل القائد الكبير والوطني الشجاع ولم ترحل مبادئه وأفكاره ورؤاه، فقد ظل د. سمير غوشة وفياً صادقاً، شجاعاً ثائراً، في مواجهة قوى العدوان والاستسلام وظل محافظاً على المبادئ التي آمن بها وناضل من أجلها من أجل فلسطين كل فلسطين.
د. سمير غوشة لك الخلود ومنا الوفاء وأن يجعل مثواك الجنة بإذن الله تعالى.