بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد/ عمر محمود محمد القاسم بتاريخ 13/11/1940م في حارة السعدية الواقعة داخل أسوار القدس القديمة، حيث ترجع أصول عائلة القاسم إلى بلدة الطيرة القريبة من حيفا، حيث أنتقلت هذه العائلة التي أقامت فيها حتى عام 1911م إلى قرية حلبة الواقعة قضاء محافظة قلقيلية، وبسبب عمل والده استقرت العائلة في مدينة القدس حيث تزوج والده عام 1938م وأنجبا ست من الذكور وثلاثة من الإناث.
شب وترعرع الطفل/ عمر محمود القاسم منذ صغره في الحارة حيث درس في مدارس القدس المرحلة الإبتدائية والاعدادية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى وبعدها أنتقل إلى المدرسة الرشيدية الثانوية والتي كانت بمثابة معقلاً وطنياً ومركزاً تنطلق منه المظاهرات الطلابية التي تتحول فيما بعد إلى مظاهرات شعبية خاصة حيث كان لهذه المدرسة الفضل في تخريج مئات من المناضلين الذين أصبحوا من كوادر الحركة الوطنية الفلسطينية.
كان عمر محمود القاسم في مقدمة المظاهرات الشعبية التي اندلعت ضد مشروع توطين اللاجئين التي طرحته امريكا، انتقل عمر محمود القاسم للعمل مدرساً في مدارس القدس بعد أن أنهى دراسته الثانوية عام 1958م، وانتسب في الوقت نفسه لجامعة دمشق كلية الآداب (قسم لغة انجليزي) حيث حصل على الليسانس في اللغة الانجليزية، ومع بداية دراسته الجامعية انتسب الطالب/ عمر محمود محمد القاسم إلى حركة القوميين العرب في مطلع شبابه وكان مثقفاً ونشطاً فعالاً ومؤثراً بذات الوقت وقد انعكس نضاله على مهنته في التدريس فكان يتحدث باستمرار عن القضايا الوطنية الملحة.
لقد ربط عمر محمود القاسم التعليم بالتحريض السياسي فتعززت علاقته الاجتماعية بالطلبة، وبعد هزيمة حزيران عام 1967م واحتلال الأراضي الفلسطينية ومع بدء نشاط العمل الفدائي وقيامه بعمليات عسكرية داخل الأرض المحتلة فقد شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملات القمع والإرهاب والاعتقال وكان عمر القاسم أول المستهدفين فنجح بالإفلات من حملات الاعتقالات وتعرض منزله لأكثر من مداهمة بهدف إلقاء القبض عليه، وازاء هذا الوضع قرر عمر القاسم مغادرة الضفة الغربية إلى الأردن حيث التحق بقواعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتلقى العديد من التدريب العسكري حيث أصبح بعد فترة وجيزة عضواً في القيادة العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1968م، شارك عمر القاسم في معركة الكرامة البطولية.
رغم دورة القيادي في الجبهة الشعبية الا أنه بقى مشدوداً ومتحمساً للنضال والمقاومة داخل الأرض المحتلة حيث شده الحنين إلى العودة لممارسة الكفاح المسلح، وفي ليلة 28 أكتوبر عام 1968م قرر عمر محمود القاسم العودة إلى الداخل فاجتاز نهر الأردن على رأس مجموعة فدائية تضم عدداً من الكوادر حيث كان هدفها التمركز في جبال رام الله وانشاء القواعد الفدائية هناك، الا أن المجموعة اصطدمت قبل أن تصل إلى رام الله بكمين إسرائيلي قرب قرية (كفر مالك) حيث اشتبكت الدورية مع الجنود الإسرائيلية وعلى أثر ذلك تمكنت القوات الإسرائيلية من أسر أعضاء الدورية بما فيهم عمر القاسم.
تم تقديم المناضل/ عمر القاسم إلى المحكمة حيث أصدرت أحد المحاكم الإسرائيلية عليه بالسجن المؤبد مرتين و27 عاماً حيث بدأت مسيرة جديدة من حياة عمر القاسم في السجون الإسرائيلية.
عندما بدأ الإعلان عن تأسيس الجبهة الديمقراطية عام 1969م بدأ عمر محمود القاسم بتشكيل منظمة الجبهة الديمقراطية داخل المعتقلات الإسرائيلية.
تم انتخاب عمر محمود القاسم وهو في سجنه عضواً باللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
ورغم قساوة السجن والسجان والشروط الحياتية القاسية والمعاملة السيئة واللاإنسانية الَّا أن المناضل/ عمر القاسم لم يستسلم للواقع المرير فكان صلباً مخلصاً عنيداً غيوراً وصبوراً كصبر الجمال، لم يساوم على المبدأ وكان من القلائل الذين يمتلكون الثقافة التنظيمية والسياسية والثورية، فلعب دوراً في وضع اللبنات الأولى لعملية التثقيف التنظيمي والسياسي وساهم بوعيه وثقافته في التعبئة والحشد المعنوي في إعداد الأسري وفي مواجهة إدارات القمع الإسرائيلية لتحسين ظروف الإعتقال، فشارك مع إخوانه المعتقلين في العديد من الاضرابات عن الطعام، بل وكان من ابرز الداعين لتلك الاضرابات ومن قياداتها، كما شارك في العشرات من الخطوات الاجتماعية، فحظي باحترام الجميع وفرض نفسه بقوة على الساحة في المعتقلات الإسرائيلية.
كان المناضل/ عمر القاسم يمتاز بسعة اطلاعه وعمق ثقافته وتفكيره وصلابة إرادته، حيث كان يعتبره رفاقه في السجن مدرسة نضالية فريدة من نوعها خرجت أجيالاً من الأسرى الأشاوس ذو الإرادة القوية والصلبة والمثقفة والواعية.
عانى المناضل/ عمر القاسم خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عاماً العديد من الأمراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون وضرب الحكومة الإسرائيلية بذلك عرض الحائط بكافة المناشدات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الإنسانية والدولية الداعية لإطلاق سراحه وأبقته يكابد الآم المرض العضال في مستشفى السجون.
بتاريخ 4/6/1989م توقف القلب الكبير عن الخفقان استشهد القائد الوطني الكبير/ عمر محمود محمد القاسم، استشهد بعد أن أمضى واحداً وعشرون عاماً في سجون الاحتلال وهي أطول فترة يمضيها مناضل سياسي في سجون الاحتلال في ذلك الوقت.
لقد كان الراحل الكبير/ عمر محمود محمد القاسم مدرسة في العطاء والنضال تسامى فوق كل الخلافات العارضة، فكان بسلوكه ونضاله يشكل نموذجاً فريداً بتجربة متقدمة طمح جميع المناضلين للوصول إليها فاستحق بذلك وعن جدارة حب وتقدير كل من عرفه أو سمع عنه أو الذين عايشوه.
دفن الشهيد القائد/ عمر محمود محمد القاسم في مقبرة الأسباط بمدينة القدس حيث شارك في تشييع جثمانه الطاهر الآلاف من جماهير شعبنا وقيادته السياسية والوطنية والمجتمعية ووجهاء المدينة، كما أقيمت للشهيد مسيرات وجنازات رمزية ومظاهرات عممت أرجاء الأرض الأرض المحتلة.
لقد احتل الشهيد القائد/ عمر القاسم مكانة مميزة في قلوب كل الشرفاء حيث حظي بحب وتقدير جمع المناضلين من أبناء الحركة الوطنية الأسيرة وخارجها لصلابته وإيمانه الراسخ بعدالة قضيته وبهذا فقد أصبح نموذجاً وقائداً للحركة الأسيرة داخل المعتقلات الإسرائيلية وكان القاسم المشترك ما بين الأطياف السياسية للحركة الأسيرة حيث كان يؤمن بأن الوحدة هي صمام الأمان للجميع.
القائد الشهيد/ عمر القاسم ابن فلسطين البار وأحد قادتها العظام في النضال الوطني الفلسطيني، سيبقى النبراس الذي يضيء طريق المناضلين ليس في فلسطين فحسب بل في الدول المتطلعة للحرية والعدالة والسلام.
لقد ترك الشهيد القائد الكبير/ عمر محمود محمد القاسم تراثاً نضالياً عريقاً وإرث غني من الكفاح والنضال والصمود سيظل نبراساً تستلهم منه الأجيال القادمة القدرة على السير في طريق الثورة ودرب الشهداء ومواصلة النضال حتى إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله تعالى.
من أقوال الشهيد في السجن: ( لا ينتهي دور المناضل بل يبدأ وهو نضال مكمل ومترابط مع النضال خارجه، يجب أن نصمد في هذه الجبهة (جبهة المعتقلات) وسوف نصمد رغم الاختلال الواضح والفادح في موازين القوى لصالح العدو).
رحمك الله يا شهيدنا البطل وأسكنك فسيح جنانه،،