بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد القائد خليل ابراهيم محمود الوزير يوم 10/10/1935م في مدينة الرملة حيث هجر مع عائلته تحت تهديد السلاح وهو في الثالثة عشر من عمره عام1948م حيث استقرت العائلة في مدينة غزة .
لقد كانت لحظة تاريخية ومفصلية في حياة الشعب العربي الفلسطيني عندما أمسك خليل الوزير/ أبو جهاد وثلة من رفاقه الأولين بالحلقة المركزية لنضال شعبنا الفلسطيني، قبل ما يزيد عن خمسين عاماً، فانبثقت على أيديهم رصاصة الفتح الأولى والتي كسرت جدار الصمت العربي، فشكلت انعطافة تاريخية حادة في مسيرة شعب ما انفك يبحث عن حريته واستقلاله.
منذ ذلك التاريخ وحتى لحظة رحيله شهيداً، ظل حارساً أميناً لشعلة النضال المقدسة التي أشعلتها بندقية الثوار، حامية بذلك أحلام شعبنا.
لقد بدأ خليل الوزير نشاطه السياسي المبكر , فكان يكتب مقالته السياسية في مجلات الحائط المدرسية , حيث أصبحت مقالاته تظهر أفكاره الحماسية الأولى حول مأساة شعبه وعدالة قضيته التي تتطلب العمل الدؤوب من أجل تحقيقها .
لقد بدأ خليل الوزير في تشكيل اول حلقة مسلحة عام 1954م حيث بدأت عملياته العسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية على خط الهدنة وكان الفدائيون اللذين نظمهم أبو جهاد في ذلك الوقت يزرعون الألغام والمتفجرات على طريق دوريات الجيش الإسرائيلي .
اعتقلته السلطات المصرية في العام 1954م اثر عملية عسكرية كان يقودها بنفسه في قطاع غزة وبعدها تم الافراج عنه بعد تداخلات .
خطط وشارك في تنفيذ اول عملية عسكرية كبيرة نسبياً وهي تفجير خزان مياه ( زوهر ) قرب بيت حانون يوم 25/2/1955م .
أبعدته السلطات المصرية من غزة إلى مصر بعد اكتشاف دوره في عملية التفجير وتوجه بعدها إلى الاسكندرية ليلتحق بالجامعة لكنه اضطر إلى تركها للعمل .
تعاقد خليل الوزير عام 1956م مع وزارة التربية والتعليم في العربية السعودية حيث عمل في منطقة القنفذة وكان معه في ذلك الوقت كل من الأخوة /أحمد وافي , سعيد المزين , غالب الوزير , ثم الأخوة / سليمان أبو كرش , محمد الأعرج , ماجد أبو شرار , أحمد قريع اللذين عملوا في مناطق مختلفة من السعودية وقد لعب خليل الوزير دوراً كبيراً في وضع لبنة العمل التنظيمي في السعودية قبل عودته إلى القاهرة وتوجهه للعمل في الكويت .
التقى عام 1957م مع المهندس ياسر عرفات حيث تباحثا طويلاً في الهم الفلسطيني المشترك وسبل الخلاص من قيد الأنظمة والسعي إلى إيجاد شكل تنظيمي مناسب للتحرك المشترك حيث عقد اجتماع تأسيسي في أحد بيوت الأخوة في الكويت تم فيه وضع الخطوط العريضة الأولى للعمل التنظيمي .
في العام 1963م استقال خليل الوزير من عمله في الكويت وانتقل إلى الجزائر حيث تولى مسؤولية أول مكتب علني ورسمي للثورة الفلسطينية , تمكن خليل الوزير في ذلك الوقت من إيصال عدد المعلمين اللذين حضروا إلى الجزائر إلى ألف معلم , وكذلك تمكن من الحصول على مئة وخمسين منحة جامعية للطلاب الفلسطينيين , كذلك رتب لأول دورة عسكرية للالتحاق بالكلية العسكرية في الجزائر .
وعندما صدرت مجلة فلسطيننا تولى خليل الوزير مسؤوليتها التي تحولت إلى منبر لإستقطاب المنظمات الفلسطينية التي كانت متناثرة هنا وهناك واستقطاب الشباب الفلسطيني .
أقام خليل الوزير أول اتصالات مع البلدان الاشتراكية خلال وجوده في الجزائر وفي العام 1964م توجه مع الأخ أبو عمار إلى الصين التي تعهد قادتها بدعم الثورة فور انطلاق شرارتها الأولى ثم توجه بعد ذلك إلى كل من فيتنام الشمالية وكوريا الشمالية .
غادر خليل الوزير الجزائر عام 1965م حيث توجه إلى بيروت ومن ثم إلى دمشق .
كان خليل الوزير/ أبو جهاد رجل الإجماع الوطني بامتياز حيث كرس حياته للعمل الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال الصهيوني منذ نعومة إظفاره، كان أبو جهاد رجل النهوض المتجدد باستمرار دوماً.
قبل سبعة وعشرون عاماً بالتمام والكمال غاب عنا ابن فتح قائد عز نظيره، قائد مكافح من أجل الحرية والاستقلال الوطني، غاب عنا رمز من أبرز رموز حركة التحرر الوطني الفلسطيني، بل اقول من أبرز رموز حركة التحرر العالمية، حيث كان يمثل الأمل لنا في مستقبل مشرق، غادرنا مكللاً بالمجد والفخار وصوته الهادر يقول باستمرار لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة وأن مصير الاحتلال يتقرر في فلسطين المحتلة نفسها وليس على طاولة المفاوضات، فلنستمر في الهجوم… لنستمر في الهجوم… فالله معنا والشعب معنا والعالم كله معنا.
كان القائد أبو جهاد واضحاً في الحفاظ منذ البداية على اتجاه الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني، وبقي حتى استشهاده محافظاً على وضع البوصلة الفلسطينية في هذا الاتجاه الصحيح.
أبو جهاد كان بطلاً مناضلاً ثورياً عشق الشهادة فنالها، كان رجل الوحدة الوطنية بلا حسابات صغيرة أو شخصية، كان التواضع والبساطة من أهم صفاته الشخصية جنباً إلى جنب القدرة المتمكنة من النفاذ إلى جوهر الأشياء والعمق والدقة.
أبو جهاد كان مثالاً لنكران الذات حيث كان التواضع سمة من سماته، لقد أقام أبو جهاد علاقات واسعة وقوية مع المقاتلين في القواعد في كافة الساحات التي تواجدت فيها قوات الثورة الفلسطينية.
لقد كان أبو جهاد الفريد في سعة صدره , الهادئ الطبع , الجليدي الأعصاب , الصبور , الطيب القلب إلى درجة البكاء أمام المواقف الإنسانية , الصلب العنيد في مواجهة الظلم والباطل والانحراف عن مسار القضية , كان أبو جهاد المتفرد في سماته المثل الأعلى والقدوة الحسنة لأبناءه وأخوانه اللذين تتلمذوا على يديه واللذين أصبحوا قادة في المسيرة الثورية .
بعد استشهاد القائد كمال عدوان عام 1973م تولى أبو جهاد مسئولية القطاع الغربي للأرض المحتلة، حيث بدأ في إعداد العمليات وصقل وتدريب القدرات القتالية لقوات الثورة الفلسطينية ولأبطال الداخل الذين كانوا يأتون إلى الخارج للتدريب في معسكرات الثورة في سوريا ولبنان.
أشرف أبو جهاد على جميع العمليات النوعية التي نفذت داخل الأرض المحتلة منذ تولية مسئولية القطاع الغربي.
عكف القائد أبو جهاد على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة الفلسطينية وأدار العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني انطلاقاً من الأراضي اللبنانية وكان له الدور القيادي والمميز خلال الغزو الصهيوني للأراضي اللبنانية عام 1982م ( معركة صمود بيروت ) التي استمرت 88 يوم .
لقد لعب أبو جهاد دوراً مركزياً وفاعلاً في مسيرة الثورة العالمية، بل وفي الصراع العالمي برمته، لقد ساهم مساهمة فعالة وحيوية في دعم ومساندة وتطوير أغلب حركات التحرر العالمية، لقد أقام معها علاقات وطيدة، وزار معظم الدول الاشتراكية والتي قامت بتدريب وتأهيل العشرات بل المئات من الكوادر، أنشأ مكتب لحركات التحرر العالمية ترأسه الشهيد(حليم).
عندما قامت إسرائيل باجتياح لبنان عام 1982م كان أبو جهاد وأبو عمار وسعد صايل هم أكثر الأشخاص الذين كانوا على يقين تام أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م يختلف هذه المرة عن الاجتياحات السابقة وسوف يصل إلى بيروت للقضاء على الثورة الفلسطينية، ولهذا لم تفاجأ القيادة بذلك حيث لا يستطيع أحد كائناً ما كان أن يغفل دور القائد أبو جهاد والقائد سعد صايل بمساعدة القائد الرمز أبو عمار في إدارة معركة الصمود والتصدي التي سطرت أروع ملاحم البطولة على مدار ثلاثة أشهر كاملة.
أشرف أبو جهاد على قيادة معركة الحفاظ على القرار الوطني المستقل للتصدي لحفنة المنشقين والقوات السورية وبعض المنظمات المنضوية تحتها في طرابلس لبنان عام 1983م حيث وصل بعد ذلك القائد الرمز أبو عمار قادماً من تونس، وحوصرت قوات الثورة من قبل الأشقاء للأسف والأعداء وتم دك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة حتى تم مغادرة القوات وعلى رأسها القيادة في نهاية شهر ديسمبر 1983م إلى تونس.
لم تثني الظروف التي واكبت رحيل الثورة عن بيروت القائد أبو جهاد عن عزمه على تنفيذ قرار نقل مركز الثورة , فقد كان يؤمن أن هذا القرار تقتضيه المصلحة الوطنية العليا ومن أجل تأمين ذلك فقد نقل مقر قيادته ومركز نشاطه إلى العاصمة الأردنية عمان البلد الأقرب إلى أرض الوطن كي يتيح له ذلك الاطلاع يومياً على مجريات الأمور ويبقى على تماس مع الحراك النضالي والتوجهات الجماهيرية داخل الوطن المحتل , كان القائد أبو جهاد يعمل في مكاتب عدة ليل نهار ويستقبل ويودع على مدار الساعة القادمين إليه من الداخل , لقد ركز جل اهتمامه على الأرض المحتلة محاولاً العمل بعيداً عن الأضواء حتى تمكن من مضاعفة قوة النشاط الثوري حيث برز بوضوح المد النضالي والجماهيري في الداخل حيث نجح القائد أبو جهاد في توفير العناصر والعوامل لهذا المد وتصعيده التصعيد الذي بلغ نقطة الحسم وقت اندلاع الانتفاضة الأولى في كانون الثاني 1987م .
عرف القائد ابو جهاد خلال مسيرته النضالية الحافلة بالالتزام المطلق لفلسطين وبالنضال في سبيلها متمسكاً بالوحدة الوطنية وبالقرار الوطني الفلسطيني المستقل وساعياً لتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني .
كان القائد أبو جهاد طيلة أشهر ماضية قبيل استشهاده حريص على الحوار وعلى إعادة الوحدة الوطنية بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، فقد عقد عدة اجتماعات في بعض الدول الاشتراكية مع قادة تلك الفصائل، وقد كان مقرراً أن يغادر أبو جهاد في اليوم التالي لاستشهاده لإكمال هذا الحوار، إلا أن الحكومة الصهيونية قد اتخذت قراراً مسبقاً باغتيال وتصفية مفجر الانتفاضة, كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة والعشر دقائق من فجر يوم السادس عشر من ابريل عام 1988م , بينما مهندس الانتفاضة ودماغها العسكري جالس على مكتبه يجري اتصالاً هاتفياً بأحدى مكاتب الدول الأوروبية , في هذه الأثناء كانت البداية لعملية الاغتيال حيث قامت وحدة كوماندوز من جيش العدو الإسرائيلي بالتسلل إلى منزل القائد أبو جهاد حيث تم اغتيال حارسه الذي كان ملازماً للبوابة الخارجية بعدها تم قتل الأثنين الآخرين من حراس المنزل , تلى ذلك اقتحام وحدة الكوماندوز المنزل بعد أن قاموا بكسر الباب الداخلي وبادروا بإطلاق الرصاص عليه حيث اخترقت جسده الطاهر حوالي ( أربعة وسبعين رصاصة ) نالت منه فسقط شهيداً على أرض تونس الخضراء حيث وجد على طاولته رسالة كان يسطرها للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة داخل الأرض المحتلة .
كان اغتيال القائد الأسطوري أبو جهاد الذراع العسكري لمنظمة التحرير والمسئول عن عمليات المقاومة في داخل الأرض المحتلة هدفاً لإسرائيل منذ زمن طويل، لكن هذه المرة تم الإعداد بشكل جيد من قبل الاستخبارات الإسرائيلية حيث تم اتخاذ القرار باغتياله.
هكذا أغمض أبو جهاد عينيه للمرة الأخيرة، ليتحول من بعدها من قائد حي إلى رمز لا يموت، أليس هو شعلة النضال المتوهج فينا دائماً .
من أقوال القائد أبو جهاد :
عندما قادت دلال المغربي أحدة العمليات الفدائية واستشهدت داخل الأرض المحتلة
قال القائد أبو جهاد ساعتها ( كونوا خولة في الثبات , وكونوا دلالاً في الجهاد والفداء ) .
كما كان يردد قول خالد بن الوليد ( أن أمة يتدافع أبناءها للشهادة
أمة لا تعرف الهزيمة ) .
القائد أبو جهاد :
– عضو اللجنة المركزية لحركة فتح , ونائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية
– مفوض شؤون الأرض المحتلة
– عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس المركزي ل.م.ت.ف
– عضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية
رحم الله الشهيد القائد أبو جهاد ……………. أول الرصاص…………….. وأول الحجارة