بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد/ جمال عمر الصوراني عام 1923م في مدينة غزة هاشم ينتمي إلى عائلة فلسطينية وطنية عريقة واعية مثقفة ولها تاريخ مجيد في فلسطين وعندما يولد الإنسان كبيراً يصبح مع الزمن عملاقاً، هو النجل الأكبر للمرحوم/ عمر أحمد الصوراني رئيس بلدية غزة في الفترة (1925 – 1928) توفي والده مبكراً حيث كان جمال في سن الصبا المبكر، فنشأ وترعرع في كنف عمه الوجيه الكبير والمجاهد الوطني الحاج/ موسى أحمد الصوراني الذي تقلد العديد من المناصب والمسؤوليات الوطنية والسياسية وكان أبرزها معتمد الحزب العربي الفلسطيني وعضو الهيئة العربية العليا وممثلاً ونائباً للحاج/ أمين الحسين في لواء غزة رحمهم الله.
تلقى تعليمه الابتدائي والأساسي في مدارس غزة وانتقل إلى مدينة القدس حيث حصل على شهادة الثانوية العامة (أو ما يعادلها) من الكلية العربية، أكمل تعليمه الجامعي في بيروت حيث التحق بالجامعة الأمريكية حيث حصل على ليسانس العلوم السياسية.
رغم انشغاله في العمل السياسي والوطني فقد ظلت تلاحقه رغبته القوية لدراسة الحقوق إلى أن التحق بجامعة عين شمس في القاهرة وحصل على شهادة الليسانس في الحقوق عام 1961م.
واكب الأستاذ/ جمال الصوراني النكبة شاباً يافعاً والتحق مجاهداً مناضلاً في قوات الجهاد المقدس أثر هبه الشعب الفلسطيني ورفضه لقرار التقسيم الصادر في 29/11/1947م.
شارك في معارك عراق سويدان التي منع الثوار خلالها محاولات اليهود من توصيل الإمدادات اللوجستية للمستوطنات التي تمكن اليهود من إنشائها آنذاك في النقب.
أسس جمعية المناضل الجريح عام 1949م وكذلك أسس النادي الفلسطيني بمدينة غزة عام 1954م وتم انتخابه رئيساً للنادي الذي تجاوز صفته الرياضية ليصبح منتدى سياسي عسكري لكافة الأنشطة الاجتماعية والسياسية والعسكرية أثناء تشكيل كتيبة الفدائيين بقيادة الشهيد العقيد/ مصطفى حافظ.
أثر العدوان الثلاثي عام 1956م على مصر وقطاع غزة شارك في قيادة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي حيث اعتقل من أجل ذلك مع الرموز الوطنية المعروفة آنذاك في قطاع غزة.
كان الأستاذ/ جمال الصوراني أحد مؤسسي الجبهة الوطنية التي تشكلت من كافة القوى السياسية التي عرفها القطاع آنذاك (الشيوعيون – الأخوان المسلمون- القوى الوطنية- البعثيون – القوميون العرب) حيث لم يرق للإدارة المصرية والحاكم الإداري العام لقطاع غزة أن تضم هذه الجبهة كل هذه الأحزاب حيث خرجت عن طوع توجهاتها.
انتخب الأستاذ / جمال الصوراني عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد القومي العربي الفلسطيني عام 1962م، كما فاز بانتخابات المجلس التشريعي عام 1962م والذي عرف آنذاك بالاتحاد القومي.
الأستاذ/ جمال الصوراني كان أحد قادة العمل الوطني في القطاع الذين هبوا ضد مشروع التوطين وضد تدويل القطاع لاحقاً والذي كان محاولة أوليه لإنهاء القضية الفلسطينية وحل مشكلة اللاجئين ودمجهم في دول الجوار.
أصبح الأستاذ/ جمال الصوراني من رجال الساسة المعروفين في فلسطين حيث ارتبط بعلاقات محبة ومودة مع الرؤساء والزعماء العرب وبفضل هذه العلاقة كسبت قضية بلاده تأييداً واحتراماً من الآخرين، كما اشترك في العديد من الوفود السياسية واللقاءات والمؤتمرات الدولية الخاصة بقطاع غزة.
عندما تم إبراز الكيانية الفلسطينية واقتراح بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية من خلال مؤتمر القمة العربية الذي عقد عام 1964م والتي كلف بموجبه الأستاذ/ أحمد الشقيري بدأ التحضير من خلال مشاورات فلسطينية مع الكفاءات والزعامات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، حيث كان الأستاذ/ جمال الصوراني أحد الأوائل الذي اتصل بهم الأستاذ/ أحمد الشقيري والتقى معهم للتحضير لميلاد هذا الكيان الذي أعلن عن تأسيسه في المؤتمر الفلسطيني الأول الذي عقد في مدينة القدس خلال الفترة من 28/5 إلى 2/6/1964م فكانت قرارات هذا المؤتمر الإعلان عن قيام (م.ت. ف) كقيادة معبرة عن تطلعات الشعب الفلسطيني ومعبئة لقواه الحية لخوض معركة التحرير.
منذ تأسيس م.ت.ف عام 1964م تحمل الأستاذ / جمال الصوراني العديد من المهام والمسؤوليات الصعبة وكان أهلا لها كعضو في المجلس الوطني الفلسطيني فالمجلس المركزي فعضواً في اللجنة التنفيذية وأميناً لسرها لعدة دورات، كما احتفظ إضافة لمهمته في اللجنة التنفيذية بتمثيل م.ت.ف بالقاهرة ورئاسة اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين الذي كان له الفضل بانشاءه، وانتخب كذلك أميناً مساعداً لاتحاد المحامين العرب وعضو اتحاد الحقوقيين الدولي.
مثل فلسطين في اجتماعات اتحاد المحامين العرب وحضر مؤتمرات الحقوقيين العالمية وشارك في المؤتمرات العربية والإسلامية.
رداً على مبادرة الرئيس الراحل/ أنور السادات بزيارة القدس واعتراضه على هذه الزيارة ثم ترحيله من القاهرة إلى دمشق.
كتب الأستاذ/ جمال الصوراني العشرات من المقالات السياسية التي تتحدث عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية والقومية بصفة عامة.
توفي المناضل الكبير/ جمال عمر الصوراني (أبو عمر) في القاهرة يوم الثلاثاء الموافق 22/4/2008م عن عمر ناهز الـ 75 عاماً بعد صراع طويل مع مرض عضال وتم تشييع جثمانه الطاهر حيث شاركت الشخصيات الفلسطينية والمصرية والعديد من السفراء العرب وسفير دولة فلسطين/ نبيل عمرو وتم مواراة الثرى بجواز زوجته في مزرعته بمحافظة الفيوم.
هذا وقد نعاه السيد الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) قائلاً: لقد غيب الموت عنا أبناً باراً وقائداً من ذلك الرعيل الأول من القادة الأوائل الذين حملوا الهم الفلسطيني أينما حلوا… وحملوا حلم شعبنا وطافوا به في شتى أسقاع المعمورة وانخرط في ساحات العمل الوطني وهو في ريعان شبابه حيث كان من أوائل المناضلين الذين انبروا دفاعاً عن الأرض والمقدسات، حيث كان الراحل عضواً في اللجنة التنفيذية ل. م. ت. ف، والأمين المساعد لاتحاد المحامين العرب ورئيس اتحاد المحامين الفلسطينيين.
وقال ببالغ الحزن والآسى أنعي باسمي وباسم اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف ولشعبنا وقادتها المناضل والقائد الكبير الأستاذ/ جمال الصوراني، لقد خسرت أمتنا بأسرها مناضلاً وطنياً قومياً كافح وناضل في كل الساحات وكان طليعياً ورائداً.
أبو عمر المناضل الفلسطيني الأصيل صاحب التجربة السياسية الطويلة، ذو السمعة الطيبة، والمحامي البارز والقدير والمثقف الواعي.
رحل أبو عمر وعيناه كانت ترنوا بشوق إلى فلسطين وإلى مسقط رأسه غزة هاشم، رحل أبو عمر الفلسطيني ولم يرحل من الذاكرة الجمعية الفلسطينية، لقد عشقت فلسطين من خلال عشقك وحبك لغزة هاشم مسقط رأسك.
الراحل الكبير/ جمال الصوراني ابن القضية، صاحب المواقف المبدئية، السامي الأخلاق، أعطى جل شبابه وحياته للقضية الوطنية لكنه لم يفقد يوماً إيمانه بحتمية النصر.
غادرنا أبا عمر ولكن ذاكرة باقية وخالدة فينا.
لقد علم الراحل الكبير أجيالاً من أبناء شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية معنى الحرية والنضال والثبات على المواقف ورفض المساومة هؤلاء القادة الراحلين هم من صنعوا تاريخ شعبنا العظيم، هؤلاء هم القدوة والرواد الأوائل، تنحنى لهم قامات الوطن على مر العصور، حيث أنهم ساهموا في صنع التاريخ خلال المسيرة النضالية والكفاحية الطويلة من عمر ثورتنا الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فقد كانوا هم السباقين إلى العمل الوطني.
رحمك الله يا أبا عمر وتغمدك بواسع رحمته ورضوانه وأسكنك فسيح جناته.