بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
دلال سعيد المغربي فتاة فلسطينية ولدت في مخيم صبرا للاجئين الفلسطينيين القريب من مدينة بيروت عام 1958م، من أم لبنانية وأب فلسطيني من يافا حيث لجأ الأب مع عائلته إلى لبنان في أعقاب النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948م وتم طرده وتهجيره من دياره الأصلية، تلقت دلال المغربي دراستها الابتدائية في مدرسة يعبد والإعدادية في مدرسة حيفا التابعة لوكالة غوث اللاجئين في مخيم صبرا.
التحقت دلال المغربي بصفوف حركة فتح منذ الصغر وذلك في عام1976م وأخذت الاسم الحركي لها (جهاد) وذلك في كتيبة الشهيد/ أبو يوسف النجار المتواجدة في منطقة صور في الجنوب اللبناني.
قامت دلال بالتدرب على جميع أنواع الأسلحة المتوفرة في ذلك الوقت من خلال دورات تدريب داخلية وعرفت دلال بجرأتها وشجاعتها وحسها الوطني ووعيها السياسي منذ الصغر وإخلاصها لحركة فتح.
في الحادي عشر من شهر أذار عام 1978م، حملت أمواج البحر المتوسط إلى شواطئ مدينة حيفا الفلسطينية مجموعة فدائية استشهادية بزوارق مطاطية نوع زودياك فرنسية الصنع، وكانت دلال المغربي فوق أرضها تقود هذه المجموعة، تقاتل الأعداء في ساحل فلسطين على الطريق الرئيس بين حيفا ويافا، حيث استطاعت تلك المجموعة الفدائية من الاستيلاء على باص وتم احتجاز ركابه وانطلقت المجموعة في اتجاه تل أبيب في رحلة أنشد خلالها الفدائيون أغاني ثورية وهتفوا بشعارات سياسية، لقد تمكنت تلك المجموعة من اجتياز العديد من الحواجز الإسرائيلية التي أقيمت من قبل الجيش الصهيوني على الطريق الدولي بين حيفا وتل أبيب لمنع المجموعة من الوصول إلى هدفها.
بعد معركة بطولية استمرت عدة ساعات تكبد العدو فيها حوالي 67 قتيلاً وعدد كبير من الجرحى، استشهدت الفدائية البطلة/ دلال سعيد المغربي، وهي تقود مجموعتها التي سميت مجموعة دير ياسين في عملية القائد الشهيد/ كمال عدوان، واستشهد عشرة من أبطال تلك العملية اثنين منهم غرقوا في البحر قبل الوصول إلى الهدف، وتم أسر بطلين اثنين بعد أن أصيبا خلال الاشتباك مع قوات العدو الصهيوني.
لقد شملت ساحة المعركة البحر والبر والجو بين حيفا وتل أبيب.
هذه العملية البطولية الاستشهادية أشرف عليها الشهيد القائد/ خليل الوزير (أبو جهاد) شخصياً من حيث التخطيط والتنفيذ.
عملية الشهيد القائد/ كمال عدوان التي قادتها دلال المغربي (جهاد) كانت مكونة من ثلاثة عشر بطلاً من أبطال الأمة العربية مجسدين بذلك الانتماء العربي الأصيل لهذه الأمة وكانوا ثلاثة أبطال من لبنان، واثنين من اليمن، وثمانية من فلسطين، وجدوا طريقهم في حركة فتح وقواتها العاصفة.
كان هدف العملية هو احتجاز بعض الرهائن المدنيين والعسكريين الإسرائيليين والتوجه بهم إلى الفندق الذي يقيم فيه مبعوث الرئيس الأمريكي، وطلب تحرير الأسرى من سجون الاحتلال.
لقد جاءت هذه العملية البطولية الجريئة لتؤكد على إصرار الشعب الفلسطيني على مواصلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني، كما أنها تعتبر رمزاً لمواصلة النضال ولرفض الحلول الاستسلامية التي تحاول بعض القوى فرضها في ذلك الوقت على الأمة العربية وعلى شعبنا الفلسطيني.
لقد هزت هذه العملية البطولية قيادة الكيان الصهيوني، وأثبتت جرأة وبطولة ثوارنا الأشاوس، كما أنها ستهز كثيراً من القوى العميلة والمتأمرة على شعبنا الفلسطيني في المنطقة، وسوف تدعم هذه العملية المواقف العادلة لشعبنا الفلسطيني وممثلة الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك على كافة الأصعدة محلياً، وعربياً، ودولياً.
لقد عاش الإسرائيليون في حالة رعب شديد خلال تنفيذ هذه العملية البطولية الجريئة.
لقد اقترن نضال المرأة الفلسطينية ومشاركتها مع الرجل في التحاقها بالثورة الفلسطينية، من أجل تحرير فلسطين بالتضحية والفداء لكن العمليات الفدائية الاستشهادية التي قامت بها المرأة الفلسطينية ضد المحتل شكلت ظاهر جديدة ليس في النضال الفلسطيني والعربي فحسب، بل في النضال العالمي وحركات التحرر العالمية أيضاً، والتي برزت بشكل واضح في الثورة الفلسطينية.
بعد استشهاد الفدائية/ دلال المغربي حضر ايهود باراك وبدأ يقلب بجثة الشهيدة ويشدها من شعرها بعد أن أشرف شخصياً بنفسه على خردقة جسدها الطاهر بالرصاص ولم يخجل من شدها من شعرها أمام عدسات المصورين وهي شهيدة ميتة لا حراك فيها.
لقد كتبت دلال سعيد المغربي (جهاد) وصيتها قبل ذهابها في العملية الاستشهادية والتي تقول فيها (أطلب فيها من المقاتلين حملة البنادق تجميد التناقضات الثانوية وتصعيد التناقض الرئيس مع العدو الصهيوني، وتوجيه البنادق نحوه واستقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة).
استشهدت دلال المغربي ورفاقها الأبطال فداءً لما أوصت به، فقدمت حياتها دفاعاً عن ثرى الوطن الحبيب.
سوف يبقى تاريخ الحادي عشر من أذار عام 1978م محفوراً في الذاكرة الفلسطينية، ويوماً مشهوداً من أيام العزة والخلود للأمة العربية.
لقد كتب عنها الشاعر الكبير الراحل (نزار قباني) بعد العملية مقالاً قال فيه (إن دلال المغربي أقامت الجمهورية الفلسطينية، ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأراضي المحتلة، على طريق طوله (90) كم في الخط الرئيسي في فلسطين.
رحمك الله يا دلال وإخوانك الشهداء وأسكنكم فسيح جناته ورضوانه.