بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
وُلد أمين فوزي محمود الهندي في مدينة غزة عام 1940م ,حيث درس في مدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية ,مما جعله يعيش كل مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي بداية من النكبة وقيام دولة إسرائيل عام 1948م على أرض فلسطين ,وطرد سكانها الأصليين من ديارهم والعدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة عام 1956م وهزيمة حزيران عام 1967م.
وفي عهد الإدارة المصرية لقطاع غزة كانت العسكرية المصرية حاضرة بقوة ,حيث كان الطالب/ أمين الهندي منبهراً بما يسمعه من أساطير ينفذها الفدائيون الفلسطينيون الذين دربهم الشهيد المقدم/ مصطفى حافظ ,ضابط المخابرات المصرية في قطاع غزة في ذلك الوقت. كان الضابط مصطفى حافظ مثاراً للوطنية والفروسية والقوة ,وكان أبناؤه من الفدائيين الفلسطينيين بمثابة المثل الأعلى لكل الشباب الفلسطينيين الوطنيين في قطاع غزة على نحو خاص.
بدأت علاقة الطالب/ أمين الهندي بالبندقية والسلاح ,حيث كانت التربية العسكرية جزءاً لا يتجزأ من التعليم الثانوي في المدارس ,وتُعد إحدى المواد الأساسية ,ومن هناك كانت بداية علاقته بالسلاح والبندقية ,وبينما كانت يده تمسك بالبندقية للتدريب ,كانت تترسخ في داخله أن السلاح والمقاومة هو سبيل تحرير فلسطين ومع مرور الوقت بدأ الإدراك يتكون لديه أن تحرير فلسطين لن يكون من الخارج بل بأيدي أبناءها.
كان التعلم هو سلاح كل فلسطيني ورأسماله الوحيد وكانت تجربة السفر بالنسبة لأمين الهندي أول اصطدام مع حقيقة أن الفلسطينيين أمامهم شوط طويل مع الصراع الذي عليهم أن يخوضوه لنيل حقوقهم.
بعد حصول أمين على الثانوية العامة ,سافر إلى ألمانيا الغربية أواخر عام 1961م ,حيث اكتشف أن الصراع ليس مجرد صراع مقاومة ضد الاحتلال في الداخل ,بل هناك صراع آخر لا يقل شراسة في الخارج يتعلق بتحقيق ضرورة إثبات الهوية والحقوق الفلسطينية. بعد الوصول إلى ألمانيا ,درس أمين اللغة الألمانية ,حيث انتظم بعدها بالتعليم الجامعي عام 1962م ,وفي هذا العام التحق به صديقه عبدالله الإفرنجي الذي قدم من غزة إلى ألمانيا ,وكان يوجد في المدينة نادي للأجانب وهو وسيلة للترويح عن النفس واللقاء بين الطلبة الأجانب. كان الانفصال الذي حصل بين مصر وسوريا عام 1961م بعد ثلاث سنوات من الوحدة بين الدولتين مثار الخلاف بين الطلبة العرب والشغل الشاغل لهم ومن هنا كان طرح الأخوين / هايل عبد الحميد وهاني الحسن ,باعتبارهما من الطلبة الفلسطينيين الذين سبقوا في الدراسة والحضور إلى ألمانيا ومن بعدهم الأخ/ عبدالله الإفرنجي. كان طرحهم أن يتم تحييد الخلافات بين الطلبة العرب وذلك بالاتفاق على دعم ومساندة فلسطين والفلسطينيين ,وهكذا استطاعوا تحييد الفلسطينيين سواء كانوا طلاباً أم عمالاً بعيداً عن الخلافات.
يقول أمين الهندي في العام 1962م \”جلس معي الأخ/ عبدالله الإفرنجي على انفراد وكان لقاءً مهماً ,حيث أخبرني أنه وصلت رسالة من الأخ/ خليل الوزير لإنشاء فرع لحركة فتح في ألمانيا وشرح لي مبادىء وأفكار حركة فتح والمطلوب هو ضم عناصر وطنية جديدة للتنظيم\”. يقول أمين الهندي \”أحسست بالفرحة العارمة لأفكار ومبادىء فتح التي كان يؤمن بها من أعماقه وكان ذلك سبب فرحته ,فأفكاره باتت يمكن أن تتحقق من خلال تنظيم حركة فتح وقد حدث ما كان يتمناه وقد بدأ العمل من خلال جمع الطلبة الفلسطيين المقيمين بألمانيا وربطهم برابطة الاتحاد العام لطلبة فلسطين ,حيث كان العمل من أجل التوسع في حركة فتح ونشر مبادىء وأفكار الحركة واستقطاب أكبر عدد من العناصر الوطنية المخلصة لها وذلك جنباً إلى جنب مع تغلغل الاتحاد في منظمات الطلبة العالمية ,لكي يكتسب بعداً دولياً يساعد على شرح القضية الفلسطينية.
تم تشكيل فرع اتحاد الطلبة في ألمانيا وأفرع أخرى في مدنها وكذلك فرع في النمسا وأفرع أخرى في مدنها ,وجرى بعد ذلك دمج فرعي ألمانيا والنمسا في كونفدرالية واحدة وأصبح الأخ/ حمدان عاشور على قمتها , وذلك جنباً إلى جنب مع اتحاد العمال في ألمانيا والنمسا ,وقبل عام 1964م كان الأخ/ هايل عبد الحميد هو الذي يمثل الاتحاد العام لطلبة فلسطين في ألمانيا , إلا أن قيادة الحركة طلبت منه أن يترك ساحة ألمانيا ويقيم في القاهرة وذلك لانتخابه عضواً بالهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين.
العمل التنظيمي كان له أكثر من مهمة ,حيث كان كل من الأخوة/ صلاح خلف وفاروق القدومي يقومان بزيارة التنظيم في ألمانيا قادمين كموفدين من قبل القيادة من أجل هدفين ,الأول : التفتيش على أوضاع التنظيم والثاني : هو إلقاء ندوات وخطب ومحاضرات على أعضاء التنظيم في ألمانيا ,كما كان كذلك الأخ/ خالد الحسن من المواظبين سنوياً على حضور مؤتمر كونفدرالية اتحاد الطلبة (ألمانيا والنمسا) ,كذلك كان الأخ/ خليل الوزير يقوم بزيارة إلى ألمانيا بين فترة وأخرى.
في عام 1967م كُلف أمين الهندي بقيادة تنظيم الحركة في كل من ألمانيا والنمسا ,حيث طلب من بقية الأخوة العودة إلى الدول العربية وفي نفس الوقت تولى رئاسة كونفدرالية ألمانيا والنمسا ,كما كان مسؤولاً مالياً بحركة فتح. توجه إلى سوريا عام 1968م حيث كان مكلفاً بمهمة معينة لتسليم مبلغ من المال للقيادة هناك.
في المؤتمر الثاني الذي عقد في الزبداني عام 1968م كان أمين الهندي عضواً في المؤتمر
,حيث مثل كونفدرالية (ألمانيا والنمسا).
عام 1969م انتُخب أمين الهندي رئيساً للهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين حتى عام 1971م ,حيث تفرغ للعمل في الاتحاد في القاهرة بعد تركه للساحة الألمانية ,وكانت تربطه علاقة جيدة مع الأخ/ أبو إياد.
وفي عام 1972م كان أمين الهندي أحد أبرز المخططين لعملية ميونخ الفدائية التي نفذت في ألمانيا الغربية أثناء دورة الألعاب الأولمبية ,حيث نفذت مجموعة من الفدائيين التابعة لمنظمة أيلول الأسود والتي تشكلت بعد الخروج من الأردن ,حيث أدت هذه العملية إلى مقتل 18 شخصاً بينهم 11 إسرائيلياً وذلك في الخامس من سبتمبر عام 1972م ,وقد حاولت إسرائيل مراراً وبكل ما تملك من قوة لتصفية أمين الهندي في الخارج ولكنها فشلت في ذلك.
ورداً على عملية ميونخ قامت إسرائيل بتاريخ 8/9/م1972 بقصف كافة المواقع العسكرية لحركة فتح في سوريا ولبنان وكذلك قامت في العاشر من إبريل عام 1973م بتنفيذ جريمة كبرى باغتيال القادة الثلاثة أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر في بيروت.
عام 1974م تولى أمين الهندي مهام نائب رئيس جهاز الأمن الموحد الفلسطيني الذي كان يقوده القائد التاريخي الشهيد/ صلاح خلف. كان أمين الهندي رجل المهام الصعبة ,حيث كانت له أدوار مهمة في العديد من محطات الثورة الفلسطينية ,وكانت علاقته مع الأخ/ أبو إياد جيدة ,حيث كان يعتبره يده اليمنى لتميز دوره في جهاز الأمن الموحد ,حيث لعب هذا الجهاز دوراً كبيراً في حماية الثورة الفلسطينية من محاولات الاختراق الإسرائيلي ,كما تصدى لعمليات الموساد الخارجية على مختلف الساحات وحقق للثورة الفلسطينية إنجازات بحيث يمكن القول أن هذا الجهاز كان بمثابة ترس ورمح الثورة الفلسطينية.
أمين الهندي تفتح وعيه الوطني مبكراً وترعرع تحت شمس الثورة الفلسطينية ,حيث شغل مواقع عديدة , تنظيمية , ونقابية , وسياسية , وعسكرية , وأمنية.
عُين أمين الهندي عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الرابع الذي عُقد في مدينة أبناء الشهداء بدمشق بتاريخ 22/5/1980 م. كان أمين الهندي برغم هدوئه الشديد وأدبه الجم الذي يبدوا ظاهراً وبوضوح حين تجلس معه يحتفظ بعقلية فائقة للتنظيم ,كان عفيف اللسان حتى برغم تعرضه لمواقف صعبة.
بعد الخروج من بيروت على إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م , انتقلت قيادة الثورة الفلسطينية إلى تونس وهناك عمل أمين الهندي بجانب القائد الشهيد/ أبو إياد بكل جد لإعادة الجهاز كما كان سابقاً.
في العام 1991م بعد استشهاد القائد/ أبو إياد ,إثر تعرضه لعملية اغتيال جبانة في تونس ,تولى أمين الهندي مسؤولية جهاز الأمن الموحد حتى العودة إلى أرض الوطن وذلك بعد أن تم توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م.
في عام 1994م ومع عودة قوات منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة وأريحا ,قام بتشكيل جهاز المخابرات العامة في الأراضي الفلسطينية ,حيث لم تكن مسيرة الجهاز أسهل من مسيرة جهاز أمن الثورة في الخارج , فمسؤولية أمين الهندي كانت كبيرة في كلتا المرحلتين , حيث قام بإنشاء جهاز المخابرات الفلسطيني على أسس مهنية مع بقية كادر جهاز الأمن السابق وذلك ليتمكن من تزويد رجال المخابرات الفلسطينية بالقدرات التي تكفل لهم تحقيق مهامهم بنجاح.
أمين الهندي كان أول رئيس مخابرات في السلطة الوطنية الفلسطينية. حيث لعب دوراً في بناء مؤسسة أمنية قائمة على أساس مبدأ حماية المواطن والوطن ,وتكون صورة مختلفة عن أجهزة المخابرات في المنطقة , فعمل من خلال هذا الجهاز بروح المناضل الوطني , والمثقف الواعي , وابن الشعب المخلص لشعبه ووطنه وقضيته العادلة.
أمين الهندي نأى بنفسه وبرجاله عن السجال والصراع الذي شهدته الأجهزة الأمنية في السلطة الوطنية الفلسطينية الوليدة ,فكان خلف الستار دائماً وبعيد عن الصراعات الداخلية ولهذا اكتسب أبو فوزي ثقة الزعيم الراحل/ ياسر عرفات.
كان أبو فوزي مناضل وقائد وطني وفي طليعة المكافحين من أجل تحرير فلسطين ونيل استقلاله وانتصار المشروع الوطني.
أُحيل اللواء/ أمين الهندي إلى التقاعد عام 2005م , بعد أن أدى واجبه الوطني وأعطى نموذجاً في العطاء والانتماء والتفاني.
كُرم من قبل الرئيس محمود عباس بوسام نجمة القدس تقديراً لخدماته الطويلة في مسيرة الثورة الفلسطينية.
في المؤتمر السادس للحركة الذي عُقد في مدينة بيت لحم عام 2009م , رشح نفسه لعضوية اللجنة المركزية ولكن لم يحالفه الحظ , ولذلك آثر أن يترك الساحة بهدوء.كان اللواء/ أمين الهندي من دعاة إصلاح الوضع الداخلي للحركة الذي ترهل و ضعُف , وبرغم ذلك آثر ألا يتحدث محتفظاً برأيه عاملاً على الإصلاح بهدوء.
في الفترة الأخيرة من حياته داهمه المرض اللعين ,حيث تحول للعلاج في أحد المستشفيات الأردنية. انتقل اللواء/ أمين الهندي إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 17/8/2010م بعد معاناة طويلة مع مرض عضال ألم به , هذا ونُقل جثمانه إلى رام الله (المقاطعة) , حيث أقيمت له جنازة عسكرية تليق به قبل نقل جثمان الفقيد إلى غزة مسقط رأسه ليدفن فيها , حيث أقيم بيت عزاء للفقيد أمام منزله.
هذا وأصدرت حركة فتح بياناً قالت فيه \” فقدت حركة فتح قائداً وطنياً من قادتها المؤسسين الأوائل على درب الحرية والاستقلال من جيل المؤسسين للحركة منذ انطلاقتها.
رحمك الله يا أبا فوزي وأسكنك فسيح جناته مع النبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.