بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
الفريق/ أحمد ابراهيم عفانه (أبو المعتصم) من مواليد قرية بورين قضاء نابلس عام 1920م، أكمل دراسته في القرية ومن ثم انتقل إلى مدينة نابلس حيث حصل على المترك، شارك في جيش الإنقاذ عام 1948م بقيادة المجاهد/ عبد القادر الحسيني في التصدي للعصابات الصهيونية وبعدها التحق بالجيش العربي الأردني من البدايات حيث اجتاز عدة دورات عسكرية في بريطانيا وبقى مستمراً في عمله حيث عين قائد كتيبة الهندسة الرابعة، أحيل إلى التقاعد بعد حرب حزيران عام 1967م وهو برتبة عقيد.
كان من أوائل الذين انتسبوا إلى حركة فتح منذ البدايات، وشارك في معركة الكرامة الشهيرة بتاريخ 21/3/1968م، حيث يقول العقيد الركن سعد صايل (ابو الوليد) آنذاك رحمه الله عليه عندما كان قائد هندسة الفرقة الأولى في الجيش الأردني، لقد زارني في البيت الأخ أبو المعتصم (احمد عفانه) قبل ثلاث أيام من معركة الكرامة، وأخبرني بأن الإسرائيليين في طريقهم لشن عدوان جديد، وها أنا قد جئت إلى طرفكم من قبل قيادة فتح لأخذ رأيكم إذا هاجموا فماذا نعتقد على الفدائيين أن يعملوا قلت (أبو الوليد) بالنسبة لحركة فتح والثورة بعدها في بدايتها وضمن الظرف الحالي وحتى الآن لم تعرف الجماهير ما يكفى عنكم وأن أي احتكاك واسع مع إسرائيل يخدم الثورة، لذا أعتقد والكلام للشهيد (أبو الوليد) أن يبقى الفدائيون في الكرامة ويقاتلوا مع علمي الأكيد أنه ليس من واجب محارب العصابات أن يثبت في موقع ويقاتل فيه، إلا أنني أعتقد أن مسألة التجريب والتلاحم مهمة، واذا حدث نصر سيكون رد الفعل كبير جداً، وهذا ما أبلغه الأخ/ أبو المعتصم لقيادة حركة فتح في الكرامة.
عين الأخ أبو المعتصم مديراً لعمليات فتح المركزية حيث كان مقره في قاعدة (10) التي قصفت عام 1969م من قبل الطائرات الإسرائيلية، وعام 1970م وأثناء الأحداث في عمان نقل مقر العمليات المركزية إلى حي الأشرفية حيث كان يتواجد مع الأخ أبو جهاد الوزير.
أثناء انتقال القوات من عمان إلى جرش وعجلون عين الأخ أبو المعتصم قائداً لقوات فتح في أحراش جرش ودبين، وخلال أحداث عام 1971م بين المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية اعتقل الأخ/ أبو المعتصم وأفرج عنه فيما بعد، حيث كان تجمع لاعتقال المقاتلين في قاعدة الطيران العسكرية في المفرق.
بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من الساحة الأردنية بعد أحداث أيلول الأسود
وفي عام 1971م عين العميد/ أبو المعتصم مديراً للعمليات المركزية لحركة فتح حيث كان مقر العمليات في منطقة الهامة ومن ثم نقلت إلى مقرها الجديد في حي المزرعة بالعاصمة السورية دمشق وبقي في هذا الموقع حتى عام 1975م عندما عين العميد الركن/ سعد صايل (أبو الوليد) مدير للعمليات المركزية لقوات الثورة الفلسطينية في لبنان، على أثرها تم تعيين العميد/ أبو المعتصم مدير عام مديرية الاحتياط وكان مقرها في بيروت وهذه المديرية مسؤولة عن أبناء حركة فتح الموجودين في الأقاليم الخارجية والتي كانت ترفد قواتنا العسكرية بهؤلاء الشباب الراغبين في الالتحاق.
أثناء اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982م، عين العميد أبو المعتصم قائداً لمنطقة البقاع اللبناني وذلك اثناء فترة الحصار لبيروت.
أثناء انعقاد المؤتمر الثالث لحركة فتح في حموريا بدمشق عام 1971م عين العميد/ أبو المعتصم عضواً في المجلس الثوري للحركة عن المجلس العسكري، وكذلك في المؤتمر الرابع الذي عقد في مدينة أبناء الشهداء في شهر مايو 1980م عين كذلك عضواً في المجلس الثوري للحركة عن المجلس العسكري، تم تعيين العميد/ احمد عفانه (أبو المعتصم) نائباً لرئيس هيئة الأركان لقوات الثورة الفلسطينية اعتباراً من تاريخ 5/2/1983موكان مقره في تونس.
خلال المؤتمر الخامس للحركة والذي عقد في شهر أغسطس عام 1989م، رشح نفسه لعضوية اللجنة المركزية للحركة إلا أنه لم يحالفه الحظ في ذلك.
رقى إلى رتبة اللواء وكان يشرف إشرافاً مباشراً على لجنة لبنان وكان هو صاحب فكرة عودة المقاتلين إلى لبنان ونجح في ذلك، وكان يقوم كذلك بالإشراف على قوات الثورة الفلسطينية المنتشرة في الدول العربية في الشتات.
يعتبر اللواء/ أبو المعتصم أقدم رتبة في الجيوش العربية يلتحق بحركة فتح منذ البدايات، وكان له دور رئيسي في بناء جسر من الثقة ما بين الضباط الأردنيين وقيادة حركة فتح بعد معركة الكرامة، حيث كانت تربطه علاقة مميزة مع الشهيد الفريق/ مشهور حديثه الجازى.
بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م وعودة قوات منظمة التحرير والقيادة إلى أرض الوطن أثر اللواء/ أبو المعتصم البقاء في تونس حيث كان معارضاً لهذا الاتفاق، ذلك الموقف الذي منعه طوعاً من العودة إلى أرض الوطن.
لقد كان شمعة مضيئة في تاريخ الثورة الفلسطينية وقائداً له بصماته التاريخية في المسيرة الثورية وحركة فتح، لن ننساه وهو رجل ساهم في المسيرة طويلاً وعمل لفلسطين وللمؤسسة العسكرية الثورية، لقد ترك الراحل الكبير خلفه مدرسة من الانضباط والشجاعة والحرص على أداء القوات العسكرية لقوات الثورة الفلسطينية، فكسب احتراماً وتقديراً عالياً من مرؤوسيه وكل من عرفوه، كان سباقاً إلى الالتزام بالقيم والمثل التي تبناها فيتلك المؤسسة العسكرية، ثم ترقيته إلى رتبة الفريق وقام السيد الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) العام الماضي اثناء زيارته الأخيرة إلى تونس بمنح الفريق/ احمد ابراهيم عبد القادر عفانه (أبو المعتصم) نائب رئيس هيئة الأركان العامة الفلسطيني وسام نجمة فلسطين العسكري تقديراً لدوره النضالي في مجال العمل العسكري والوطني وتثميناً لجهوده وإخلاصه بالدفاع عن الثورة الفلسطينية والمساهمة في بناء المؤسسة العسكرية الفلسطينية.
لطالما راود الفريق أبو المعتصم حلم العودة إلى وطنه فلسطين وإلى قريته بورين، حيث كانت قضيته الأولى والأخيرة، إلا أن مشيئة الله كانت الأقوى ولا راد لمشيئته، فقد توفي بتاريخ 24/2/2015م في منزله بتونس العاصمة أثر نوبة قلبية آلمت به.
هذا وقد نعاه السيد الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) وقال: برحيل الفريق/ احمد عفانه (أبو المعتصم) غاب عن ساحة العمل الوطني مناضل وطني كبير شاهد على هذه المسيرة المظفرة التي قدم خلالها العطاء الموصول بكل إخلاص وتفان، وفي كل المواقع التي تبوأها دفاعاً عن شعبنا وثورته في كل محطات نضالنا ومسيرتنا التاريخية، لقد خسرت فلسطين ابناً باراً من أبنائها الذين نذروا أنفسهم من أجل أن ينبعث فجر الحرية على ثراها الطهور.
لقد كان الفريق/ أبو المعتصم قائداً بطلاً نحترمه ونقدر عالياً حزمه وصلابته وعطاءه وأمانته على المهام القيادية الكبرى التي كلف بها دفاعاً عن الشرعية الفلسطينية سواء في المعارك التي قادها أو في الجهد الذي بذله في سبيل تحقيق أهداف شعبنا وبناء مؤسسات دولتنا الفلسطينية، فقد كان الشهيد أبو المعتصم رفيق درب الشهيد الخالد القائد/ ياسر عرفات ورفيق درب الشهيد القائد/ أبو جهاد ورفيق درب الرئيس/ محمود عباس ورفيق درب الشهيد/ القائد سعد صايل ورفيق درب كل القادة الشهداء الذين سقطوا على درب الحرية والاستقلال منذ معارك الثورة الأولى وحتى يومنا هذا.
لقد خاض الراحل الكبير الفريق أبو المعتصم معارك النضال والبطولة في كل المنعطفات التي مرت بها الثورة الفلسطينية المعاصرة وأثبت خلالها شجاعة نادرة وقيادة عسكرية فذة اكتسبه احترام الجميع، وقد تربت أجيال على يديه وتعلمت منه حب الوطن والالتزام بقضايا شعبنا وهي لا تزال تواصل السير على الطريق الذي سلكها الشهيد الراحل متمسكة بالأهداف النبيلة التي قضى من أجلها.
لقد ظل الفريق/ احمد عفانه (أبو المعتصم) طوال مسيرته النضالية رمزاً للمناضل الصلب والملتزم بقضية شعبه ووطنه وحركته الرائدة، حيث كانت عنده المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وكان حريصاً كل الحرص على الوحدة الوطنية.
ترأس الفريق/ أبو المعتصم العديد من الوفود العسكرية إلى الدول الصديقة والدول العربية، وقام بعقد صفقات لشراء السلاح للحركة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما ساعد في إرسال العديد من الكوادر العسكرية للتدريب في تلك الدول.
لقد حمل القائد العسكري الكبير لواء الكفاح المسلح ردحاً من الزمن، يقارع العدو الصهيوني بعزيمة صادقة لا تلين، وقوة فولاذية لا تنكسر، وعهدنا على المضي قدماً في المسيرة حتى تحقيق طموحات شعبنا في إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله.
رحمك الله أيها القائد الكبير الفريق/ أبو المعتصم وأن يتغمدك الله بواسع رحمته ورضوانه وأن يسكنك فسيح جناته.
هذا وقد تم تشكيل وفد من حركة فتح يضم كل من الأخوة/ عباس زكي وعزام الأحمد، وأمين مقبول، واللواء الحاج/ إسماعيل جبر، واللواء/ يونس العاص للمشاركة في جنازة الراحل الكبير الفريق/ أبو المعتصم وسوف يتقبل السيد الرئيس/ محمود عباس والقيادة الفلسطينية العزاء بفقيد فلسطين في مقر الرئاسة برام الله يوم الأحد الموافق 1/3/2015م
انا لله وانا إليه راجعون