بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد/ أحمد حسين اليماني في سحماتا قضاء عكا عام 1924 في الجليل الأعلى، ونشأ في عائلة مكونة من 13 فرداً (ثمانية من الذكور وثلاثة من الإناث).
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرستي سحماتا وترشيحا ثم انتقل إلى صفد وعكا لمتابعة دراسته الثانوية ليتخرج بعدها من الكلية العربية في القدس، عمل بعد التخرج في دائرة الزراعة الحكومية في عكا، وفي دائرة الأشغال العامة في حيفا، مارس مهمات نضالية على الصعيد الشعبي في فلسطين قبل النكبة فكان أميناً لسر اللجنة الشعبية المحلية لقرية سحماتا وأميناً لسر اللجنة المركزية في لواء الجليل الأعلى، عمل على تنظيم النقابات جمعية العمال العربية الفلسطينية في حيفا، شارك في معارك عام 1948م في الجليل.
أثر النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948م هجرت عائلته إلى لبنان وقد رفض مغادرة فلسطين بعد سقوط معظم المدن فتم اعتقاله من قبل السلطات الإسرائيلية بتاريخ 29/10/1948م ونقل إلى معتقل نهلال حيث مكث في المعتقل مدة ثلاثة أـشهر، تم إبعاده إلى لبنان عنوة بتاريخ 31/1/1949م، حيث انضم إلى عائلته التي عثر عليها في مخيم البداوي في شمال لبنان.
بدأت حياة أحمد اليماني في لبنان المرحلة الجديدة بعد الخروج القسري من فلسطين بالعمل كاتباً للحسابات في أحد شركات الصناعات الكيماوية في طرابلس لكنه لم يلبث أن قدم استقالته وسافر إلى الضفة الغربية للالتحاق بجمعية العمال العربية الفلسطينية التي عاودت نشاطها في نابلس عام 1949م لكن لم يطل الآمر به في البقاء بالضفة فقرر العودة إلى لبنان مرة ثانية عمل مدرساً في مدارس وكالة غوث اللاجئين ومديراً للمدرسة ابتداءً من عام 1951م وحتى عام 1963م.
أسهم أبو ماهر اليماني في تأسيس حركة القوميين العرب إلى جانب كل من جورج حبش، وديع حداد، هاني الهندي، وناضل في صفوفها منذ التأسيس عام 1953م وحتى عام 1967م.
اعتقل من قبل السلطات اللبنانية عام 1955م بعد أن تم توزيع بيان باسم الشباب العربي الفلسطيني.
أما في مجال العمل الجماهيري فقد أسس أبو ماهر اليماني رابطة الطلاب الفلسطينيين في لبنان وأشرف عليها، كما شارك في تأسيس اتحاد عمال فلسطين في لبنان، بالإضافة إلى مساهمته في تأسيس اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وقد شغل منصب نائب الأمين العام للاتحاد العام لعمال فلسطين ومندوباً للاتحاد في الأمانة العامة للاتحاد العام الدولي لنقابات العمال العرب في القاهرة، كذلك شارك في تأسيس الكشاف العربي الفلسطيني في لبنان، وشغل منصب أمين سر رابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان.
استغرق العمل النضالي والسياسي جل حياة أبو ماهر اليماني فكان أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وواحداً من أبرز قيادتها منذ تأسيسها في العام 1967، وكان عضواً في المؤتمر الأول للجبهة وعضو القيادة المركزية وعضو لجنتها المركزية وعضواً في المكتب السياسي.
التقى أبو ماهر اليماني بالأخ/ أبو عمار للمرة الأولى في بيروت عام 1965م وذلك لتنسيق العمل العسكري بين حركة القوميين العرب وحركة فتح.
شارك أبو ماهر اليماني في صياغة اتفاق التهدئة بين م. ت. ف والحكومة الأردنية عام 1970، لكن هذا الاتفاق لم ير النور.
كان أبو ماهر اليماني عضواً عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اللجنة التنفيذية لـ م. ت. ف لدورات عدة، وهو عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس المركزي.
عندما انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لـ م. ت. ف أسندت إليه رئاسة دائرة التنظيم الشعبي في المنظمة ثم رئيس دائرة شئون العائدين.
أشغل منصب أمين سر جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول السلمية التي شكلت في أواسط سبعينيات القرن الماضي بعد الموافقة على التقاط العشر في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في القاهرة.
بقي أبو ماهر اليماني عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حتى تنحى عن المواقع القيادية في مؤتمرها الوطني الخامس في دمشق، حيث اختار أبو ماهر اليماني أن يترك ميدان العمل السياسي المباشر بعد أن بلغ مرحلة متقدمة من العمر، وتفرغ لميدان الكتابة في محاولة منه لتوثيق تجربته، فألف عدة كتب حملت عنوان (تجربتي مع الحياة) في سلسلة تناولت تجربته في فلسطين وفي دنيا الشتات، وفي ميدان العمل التنظيمي الجماهيري والمهني والتجربة في إطار حركة القوميين العرب.
أصدر كتاباً عن تجربة جمعية العمال العربية الفلسطينية في فلسطين، كذلك شارك في تحرير كتاب عن بلدته سحماتا.
أبو ماهر اليماني كان عضواً في المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي وعضواُ في مجلس أمناء المنتدى القومي في لبنان حيث كان أحد مؤسسيه.
أبو ماهر اليماني ذلك الفلاح النقابي المتفاني في عمله الخادم للطبقة العاملة والفقيرة التي أعطاها الكثير من جهده وعرقه وتجربته الطويلة والنضالية.
كان أبو ماهر اليماني زاهداً في الحياة ذو خلق رفيع متواضع إلى النهاية، مثقف، واعي، دمث الخلق، كان يؤمن بحق شعبه المظلوم والمقهور وبعدالة قضيته، لا يساوم ولا يفرط ولا يستسلم مهما طال الزمن.
اقترن اسم أبو ماهر اليماني منذ سنوات خلت بقضية اللاجئين والعودة والتحرير، وقد بقي الرجل أميناً لصورته الأولى فلم تغيره الأيام ولم تغره المناصب ولا أرهقته الأزمات الوطنية منها أو التنظيمية.
سيرة الراحل القائد أبو ماهر اليماني سيرة غنية طويلة مليئة بصفحات عطرة من كفاح شعبنا الفلسطيني قبل النكبة وبعدها.
وصل أبو ماهر اليماني إلى أعلى المراتب التنظيمية في الجبهة الشعبية وكذلك في عضوية اللجنة التنفيذية لـ م. ت. ف، فأثر الحياة البسيطة البعيدة عن التكلف والاستعراض من الأبهة مدركاً أن المناضل الحقيقي يجب أن يكون قريباً من شعبه باستمرار وأن يحافظ على سلوكه ومبادئه وأسلوب حياته.
الراحل الكبير أبو ماهر اليماني الذي أمضى أكثر من ستة عقود متواصلة في الكفاح من أجل شعبه ووطنه، حيث كان رجلاً مناضلاً وقائداً متواضعاً، عرفته مخيمات الغربة والشتات في لبنان، كان يعيش بكل جوارحه ويتلمس أحاسيس أبناء شعبه ويتعرف على همومهم ومشاكلهم وآلامهم، كان أبو ماهر قائداً وحدوياً آمن بالوحدة الوطنية الفلسطينية والوحدة العربية الشاملة طريقاً للتحرير.
أبو ماهر اليماني كان رجل مبادئ ومواقف، ورجل كلمة تميز بين الخطأ والصواب، كيف لا وهو المربي الذي عرفته أجيال عديدة من الطلبة الذين تتلمذوا على يديه.
أبو ماهر اليماني بقي ضمير فلسطين النقي الصادق، الذي بقي بعيداً عن مغريات السلطة والمال التي غرق فيها الكثيرون.
أبو ماهر كان قدوة ومثال في عمله وحياته الشخصية، فهو قد جمع بين الصلابة والجدية والبساطة المتناهية.
أبو ماهر اليماني متزوج وله ثمانية من الأبناء والبنات وهم (ماهر، مهند، ثائر، عصام، فادي، آمال، فدا، هيفاء).
انتقل إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 4/1/2011م في بيروت عن عمر ناهز ألـ 86 عاماً بعد معاناة طويلة من مرض السكري.
رحم الله القائد المناضل الإنسان أبو ماهر اليماني، وأسكنه فسيح جناته.