بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
عبد المعطي الذي غادر غزة عام 1967م بعد مطارده له من قبل الاحتلال، حيث كان في ريعان شبابه، عمل في كافة الساحات من الأردن إلى سوريا ولبنان ومن ثم الجزائر، وكانت أمنيته العودة إلى أرض الوطن وعاد فعلاً عام 1994م ليعمل ويبني ويؤسس نواة لدولة فلسطين مستقلة، فعمل من خلال موقعه كمساعد لمدير الشرطة ومديرًا للعمليات المركزية فيها، حيث ساهم من خلال هذا الموقع بأداء رسالته ودوره كما كان مطلوب منه، وقدم كل ما يملك واصل العمل ليل نهار كان على إطلاع بما يحصل في أرض الوطن من رفح حتى جنين.
ترجل الفارس الذي كان مثالاً للحب والعطاء لوطنه وشعبه وزملاءه، غادرنا وترك بروحنا حب واحترام وتقدير، رحل عنا جسداً ولم يرحل من الذاكرة الفلسطينية، نستذكرك هذه الأيام والعين يحتبس فيها الدمع، لقد كانت المصلحة الوطنية العليا عند الشهيد / أبا ياسر فوق كل اعتبار لحرصه الشديد على القضية والوطن.
عرفناك الصادق الصدوق، المناضل المتواضع، الوحدوي، القائد الشجاع، لقد كنت إنساناً قبل كل شيء.
أربعة عشر عاماً على استشهادك أيها القائد الحبيب أبا ياسر ولا زالت كلماتك تحثنا على العمل المتواصل ولا زال صوتك لا يفارق مسامعنا، ولقد كنت يا شهيدنا البطل أبا ياسر كشجرة شامخة منزرعة على أسوار قدسنا العتيقة، شامخة كشموخ مسجدنا الأقصى، الذي لن ينكسر حيث أن كل من دخله من الغزاة والمعتدين غازياً انكسر على أبوابه وهرب في النهاية.
أبو ياسر كان قائداً عسكرياً بارزاً يحب عمله بكل اقتدار ويمقت التعصب التنظيمي والحزبي، ولقد كانت علاقات حميمة مع كافة الفصائل والأحزاب، عمل ليلاً ونهاراً من أجل الوطن باذلاً الغالي والرخيص رغم كل المعوقات التي تعرض ذلك.
أبا ياسر الشهيد الحي فينا، قائد عز نظيره حيث شهد له الكل بالاستقامة والكفاءة والصدق والإخلاص في العمل الجاد والدؤوب وكان قدوة للجميع.
كان لأبي ياسر منزلة خاصة وعزيزة عند زملاءه ولدى ضباط وأفراد الشرطة الفلسطينية ومحبة واحترام زائدين لنزاهته وترفعه وحفاظه على المال العام.
لقد استشهد القائد أبو ياسر وما مست يداه سوى راتبه الشهري الذي كثيراً ما كان ينفق منه على مرؤوسيه، حيث كان معطاءً بلا حدود ولم يتردد في تقديم يد العون والمساعدة للمحتاج.
كان أبو ياسر فارساً من فرسان ثورتنا الفلسطينية وسلطتنا الوطنية وشرطتنا الفلسطينية، وكان رجل المهمات الصعبة، حاملاً روحه على كفه مسجلاً في استشهاده نموذجاً رائعاً في التضحية والعطاء.
لقد تميز أبو ياسر بتواضعه الثوري وتماسكه في أصعب وأحلك الظروف، لقد عشق تراب الوطن الذي كان يتغنى به، فكان الاستشهاد نصيبه في ظل انتفاضتنا الثانية.
أبا ياسر الحبيب لم نعش عمرنا بعد ونحن نحس بأن السنين التي مضت كانت سنين عمرنا الأصلي، أبا ياسر أراك تبتسم زهواً وفخراً بكل الذي صنعناه لشعبك العظيم، لقد كنت جميلاً وعذباً كنسمات ماء البحر.
لقد مضيت فارساً من فرسان شعبنا المجيد وترجلت قبل فوات الأوان، حيث كان أمام عيناك شيء واحد وهي فلسطين، ومن اختار هذا الدرب يجب أن يستشهد من أجله.
لم يغب عن أبو ياسر تركيزه على أعداد الضباط ليصبحوا قادة المستقبل والتركيز على التدريب باستمرار، إضافة إلى متابعة من موقع مسؤوليته لكل الأحداث على الساحة.
وداعاً وسلاماً لعبد المعطي السبعاوي ولكل أصحابه الذين قضوا ووعدنا بأننا سنبقى الأوفياء في حب فلسطين كل فلسطين، ولقد قضى الرجل الذي أحببناه وما كان من الممكن أن نصدق ذلك لولا أن جاءنا الخبر المفجع باستشهاده على شاطئ بحر غزة ظهيرة يوم 18/12/2000م وهو يقوم بإجراء تجارب على قذائف الهاون الذي أشرف على صناعتها.
أبا ياسر سوف تبقى ذكراك عطراً فواحاً ينير لنا الدرب الذي نهتدي به.
أبا ياسر سلاماً عليك يوم ولدت وسلاماً عليك يوم استشهدت، وسلاماً عليك يوم تبعث حياً.
رحم الله شهيدنا البطل أبا ياسر وإلى جنات الخلد بإذنه تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.