بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد/ عبد العزيز فياض الوجيه في شهر سبتمبر عام 1927م، في قرية إكسال قضاء الناصرة، في عائلة ميسورة تمتد أراضيها في مرج بن عامر، حيث تربى يتيماً بعد استشهاد والده/ فياض محمد الوجيه على يد أعوان الانتداب البريطاني لانخراطه في إمداد ودعم الثوار الفلسطينيين بالمال والأسلحة، وباعتباره أصغر أشقاءه السبعة، فقد لاقى من الاهتمام والرعاية من والدته وإخوته فنما قوى الشخصية وقد اثبت نبوغاً وتفوقاً بعد إلحاقه صغير السن بمدرسة راهبات الوردية في مدينة الناصرة، حيث اتم دراسته الابتدائية والاعدادية والثانوية والتي حصل على شهادتها عام 1945م، التحق بعدها للدراسة في كلية خضوري الزراعية بطولكرم، مدفوعاً بأحلام كبيرة لتنمية أراضي العائلة والثروة الحيوانية الضخمة التي كانت تمتلكها، فيما تنفس إخوته العصداء بإبعاده عن منطقة الجليل، حيث بدأ نشاطه الوطني مبكراً، حين قام بطعن جندي بريطاني بالسلاح الأبيض بشكل فردي.
عبد العزيز فياض الوجيه ذلك الشاب الذي كان مدفوعاً بوطنيته، لم يغادره الشعور بضرورة الاستمرار بالنضال ضد الانتداب البريطاني والصهاينة، فما كاد أن يتخرج من كلية خضوري الزراعية بطولكرم، وحصوله على دبلوم زراعة، حتى تم الاعلان عن فتح باب القبول في الكلية الحربية السورية، غادر إلى دمشق والتحق مع مجموعة من الشباب الفلسطينيين في الكلية بتاريخ 23/4/1948م، والتي عقدت في منطقة قطنا للضباط الفلسطينيين، مدفوعين بوعي عال بضرورة التدريب، والتكوين العسكري للتصدي للخطر الصهيوني القادم، وأثناء دراستهم في الكلية بدأت الحرب في فلسطين وتم تشريد أهلنا من مدنه وقراه وأراضيه، حيث صدرت الأوامر للطلبة بالالتحاق بقوات فوزي القاوقجي، وبعد انتهاء الحرب عادت مجموعة الطلبة إلى الكلية لإكمال دراستهم وكان عبد العزيز الوجيه قد تخصص (بالمشاة) حيث تم الحاقهم بعد التخرج بالجيش السوري مباشرة.
تنقل الضابط/ عبد العزيز الوجيه ضمن وحدات الجيش السوري في مناطق كثيرة قبل أن يستقر في الجولان، تلك المناطق المحاذية لحدود فلسطين المحتلة، مسؤولاً عن إنشاء ودعم التنظيمات الشعبية المقاومة.
مع حدوث الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961م، دفع الضباط الفلسطينيين ثمناً كبيراً، فاعتقل بعضهم، ووضع البعض الآخر قيد الإقامة الجبرية في منزله، وكان من نصيب الضابط/ عبد العزيز الوجيه الإقامة الجبرية التي فرضت عليه في منزله بدمشق، خلال ذلك التحق بجامعة دمشق حيث نال منها شهادة ليسانس الحقوق، ولم يلبث أن التحق بعمل في هيئة الطيران المدني، منخرطاً في نفس الآونة بعمل سري مع مجموعة من رفاقه لاستنهاض العمل العسكري المقاوم داخل الأرض المحتلة فتم تشكيل تنظيم باسم (المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين) عام 1964م مكونة من الأخوة/ يحيى حمودة، عبد اللطيف أبو جبارة، يسار عسكري، عبد العزيز الوجيه، حمودة الشوفي، وسهى نجار، محمد عبد اللطيف، جريس الهامس، ويونس محمد يونس.
عند إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م برئاسة السيد/ أحمد الشقيري والاعلان عن تشكيل جيش التحرير الفلسطيني في بعض الأقطار العربية حضرت لجنة عسكرية من قبل السيد أحمد الشقيري إلى دمشق وقابلت ضباط الدورة الفلسطينية الأولى التي عقدت في قطنا عام 1948م والـمسرحين من الخدمة العسكرية في الجيش السوري، واستمزجت رأي كل واحد منهم في مسألة التحاقه بجيش التحرير الفلسطيني والمزمع انشاءه في سوريا والتي وافق على الالتحاق بالجيش عام 1964م، حيث كان لمتخرجي دورة ضباط قطنا شأن كبير جداً في المساهمة ببناء هذا الجيش بشكل مباشر، فضمت قوات حطين التي أنشأت في سوريا ضباطاً وعناصر من فلسطيني سوريا، وكان من ضمنهم الضابط عبد العزيز الوجيه وبعد أن تم تسوية أوضاع رتبهم العسكرية والذي قام بوضع عصارة فكره وعلمه العسكري في إعداد وتنشأة أفراد الكتيبة بعد عامين وفي هذه الأجواء توجهت الأنظار إلى حرب حزيران عام 1967م العربية الإسرائيلية، الحرب التي بدلت أوضاعاً وقلبت أخرى رأساً على عقب وأثرت في مصائر الجميع.
عندما اشتد هاجس الحرب أصدرت القيادة السورية أمر عمليات يكلف لواء حطين تشكيل نطاق الحيطة بين مدينة درعا وبين الحدود الأردنية والفلسطينية التي تليها، وكان هذا اللواء مشكل من ثلاث كتائب بقيادة كل من الضباط الأكفاء (مصباح البديري، عبد العزيزالوجيه،عرب محمدعرب) فيما كان قائداً للواء هو الضابط/سميرالخطيب، تلقت الكتيبة التي يقودها الضابط/عبدالعزيزالوجيه الأمر بتولي مهمة دفاعية في العمق، فكلفت الدفاع عن منطقة غباغب بين الشيخ مسكين والكسورة، وكانت هذه المنطقة أشبه بمضيق، تولت الكتيبة سدة لصد أي هجوم قد يستهدف أقفال الطريق بين درعا ودمشق. وكلفت الكتائب الباقية بمهمات أخرى.
انتهت حرب حزيران عام 1967م، بأقل من ستة أيام احتلت إسرائيل أراض من دول عربية إضافة إلى ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة.
ومع هزيمة الجيوش العربية عام 1967، وانكفاءها على الذات وانصرافها إلى تعويض خسائرها وإعادة بناء قواتها، قابلها البروز الصاروخي للعمل الفلسطيني المسلح، أي العمل الفدائي، ومع ارتفاع شعبية العمل الفدائي، كبرت الفصائل الفلسطينية التي تأسست قبل الحرب ونبتت فصائل جديدة، وكبر دورها في الساحة الفلسطينية، حينها أقدم السيد/ أحمد الشقيري على خطوة اعلان عن وجود مجلس عسكري لقيادة قوات التحرير في الأرض المحتلة ويكون الذراع الفدائي لجيش التحرير الفلسطيني والتخطيط لعمليات في عمق الأرض المحتلة، حيث تولى العقيد/ عبد العزيز الوجيه رئاسة أركان قوات التحرير في بدايتها عام 1968م وحتى عام 1970م وخلفه العقيد بهجت الأمين، فيما بعد، وفي قطاع غزة عين كل من الضباط/ وليد أبو شعبان، ومصباح صقر، وزياد الحسيني، وعبد القادر أبو الفحم وآخرين،، وقد شاركت تلك القوات في معركة الكرامة الخالدة بتاريخ 21/3/1968م، وبرزت كقوة عسكرية فاعلة وركزت عملياتها الفدائية على طول الشريط الممتد في غور الأردن وجبهة الجولان إضافة إلى قطاع غزة والضفة الغربية.
بعد مشاركته في أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970م وعودته إلى سوريا، سافر العقيد/ عبد العزيز الوجيه ومجموعة من قادة وضباط جيش التحرير الفلسطيني إلى الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1970م، حيث التحقبدورة قادة ألويةفي (أكاديمية فسترل)، وأكمل بعدها في (أكاديمية فرونزه) دورة في القيادة والأركان والتي حصل فيها على شهادة ماجستير في العلوم العسكرية، محققاً المركز الأول وبدرجة الشرف فحاز على وسام لينين من الحكومة السوفيتية.
اختير العقيد الركن/ عبد العزيز الوجيه عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، وبعد عودته من موسكو تم انتخابه عضواً في اللجنة التنفيذية لـ. (م.ت.ف) ورئيساً لدائرة التنظيميات الشعبية في منظمة التحرير الفلسطينية في حزيران عام 1974م.
مثل العقيد الركن/ عبد العزيز الوجيه م.ت.ف في العديد من المؤتمرات العالمية والمؤسسات الدولية، وكذلك اختير سكرتيراً لرئيس مجلس السلام العالمي (روميش شاندرا).
خلال تأزم الوضع على الساحة اللبنانية في منتصف السبعينات إثر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان والهجوم الممنهج على المخيمات الفلسطينية أنطلق العقيد الركن/ عبد العزيز الوجيه مع زملائه أعضاء اللجنة التنفيذية مسابقين الوقت لإطفاء حرائق الحرب الأهلية مستعينين بالقوى الوطنية والمعتدلة في لبنان ولكن دون جدوى، حيث كانت المؤامرة ضد الثورة كبيرة جداً، فانطلق مع أعضاء اللجنة التنفيذية في زيارات متواصلة لغالبية العواصم العربية والأفريقية والأوروبية لشرح المخاطر التي تحدق بالثورة الفلسطينية والتي تؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية.
واصل العمل ليل نهار، وكانت المهمات والتحديات خطيرة ومصيرية فدفع حياته ثمناً، حيث توفي بنوبة قلبية حادة ليلة عودته من بيروت إلى دمشق فجر يوم 6/5/1976م، عن عمر ناهز تسعة وأربعين عاماً. وتم موراة جثمانه الطاهر في دمشق.
لقد ضحى الراحل الكبير العقيد الركن/ عبد العزيز الوجيه، وناضل وهو من قليلين، الذين امتزجت تضحياتهم بإنجازات، وسجلت تاريخاً مشرفاً، لقد ظل يحمل الهم الوطني الفلسطيني، وغادرنا دون أن تتكحل عيناه برؤية الوطن حراً، سيداً، حيث كان يحمل هموم الوطن بين ضلوعه لقد كرس حياته مدافعاً عن قضايا أمته، وكان صاحب حكمة ورؤية، كان مدافعاً صلباً، أعطى الكثير، دافع عن قضية شعبه بكل صدق وإخلاص، حيث كان خلال سنوات عمله دمث الخلق، عفيف اللسان، مثالاً صادقاً للانتماء للوطن والشعب، ونموذجاً للعطاء والتضحية، والقيام بمختلف المهام النضالية التي تمكنه من ممارسة قناعاته في الكفاح المسلح من أجل الاستقلال الوطني.
رحل عنا أبو محمود بكل هدوء ،،، ودون ضجيج، رحل بصمت، ولم يكن يريد أن يثقل على أحد من رفاق دربه، كان دائماً ينكر ذاته ويعمل بصمت، فهو المؤتمن في شغل هذا المنصب الذي عمله به بكل جد وإخلاص بلا كلل أو ملل.
عبد العزيز الوجيه عاش ومات من أجل فلسطين التي أحبها وعشقها وأحب ترابها وسهر وحلم بها باستمرار.
رحم الله القائد الكبير العقيد الركن/ عبد العزيز فياض الوجيه وأسكنه فسيح جناته،،
وعام 2015م وتكريماً للراحل الكبير ووسط حفل مهيب تم افتتاح الشارع المؤدي بين بلدية البيرة وبلدية سردا أبو قش قضاء رام الله، حيث تم تسمية الشارع على اسم المناضل الراحل ابن قرية إكسال العقيد/ عبد العزيز فياض الوجيه، حيث حضر الافتتاح د. ليلى غنام محافظ رام الله ورئيس بلدية البيرة ونائب رئيس بلدية سردا وعضو اللجنة المركزية لفتح محمد المدني، وعضو الكنيست السابق/ عبد الوهاب دراوشة وابنة العقيد/ مجد عبد العزيز الوجيه مهنا بالإضافة إلى العديد من الشخصيات.