بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
المناضل/ عبد الحميد وشاحي (نعيم) من خلفية بسيطة للغاية، عمل في طفولته راعياً للغنم في فلسطين قبل الهجرة، ولم يدخل مدرسة، لقد تخرج من مدرسة الثورة الفلسطينية والنضال، في حياته كان الأكثر جدلاً، وفي صموده كان كطائر الفينيق، في تعابير وجهه صلابه صخور فلسطين، وفي أميته معاجم المقاومة، وفي لسانه أناشيد العودة والتحرير هو المناضل القديم (نعيم أبو محمود أو نعيم العرقوب) كما كان يناديه رفاق السلاح، هو الحاضر في ذاكرة أبناء فتح ومقاتليها، والمغيب ورفاقه الأبطال ومحاولة طمس جريمة التغيب، هو المناضل القديم الذي رفض كل الرتب العسكرية (عبد الحميد عيد محمود وشاحي) ولد عام 1940م في قرية اجزم قضاء مدينة حيفا، خرج مع عائلته إبان النكبة عام 1948م وتشريد شعبنا من دياره إلى جنين القسام، ومن ثم عام 1951م انتقلت الأسرة إلى شمال الأردن في منطقة الكفارات، ليستقر بهم المطاف في قرية حرثا قرب مثلث الحدود الأردنية السورية الفلسطينية، عمل مع أفراد أسرته في الزراعة وتربية المواشي، وكانت أسرته ذات وضع مادي جيد حيث امتلكوا قطعة أرض وبنوا بيتاً، ومن هناك أنطلق في العمل الفدائي منذ البدايات وفي مرحلة التحضير للانطلاقة حيث التحق بحركة فتح عام 1964م، وكانت أرض العائلة وبيتهم القاعدة الأولى لحركة فتح في شمال الأردن، حيث كان كل من يذهب إلى الأرض المحتلة يمر من هناك إلى أن تم كشف الأمر لينتقل بعدها إلى سوريا حيث أقام في مخيم درعا للعائدين.
في صيف عام 1966م توجه الأخ/ أبو عمار على رأس مجموعة من الفدائيين إلى جنوب لبنان تضم حوالي (14 عنصراً)، وخلال عودتهم بعد أن تم تنفيذ عملية فدائية ضد مواقع العدو الإسرائيلي شمال فلسطين المحتلة، قامت السلطات اللبنانية باعتقال تلك المجموعة حيث دام اعتقالهم لمدة (45) يوماً بعدها تم الإفراج عنهم فيما بعد، وكان من ضمن المجموعة الأخوة: (نعيم وشاحي، حسين الهييى، مصباح عبد الحق، سعيد شرعان، شعبان الشاعر، وآخرين).
بعد معركة الكرامة 21/3/1968م وأمام تزايد أعداد الملتحقين للعمل الفدائي بالحركة، قامت القيادة بافتتاح معسكرات تدريب جديدة للمقاتلين وتزويد القواعد الفدائية بكوادر جديدة مؤهلين عسكرياً على خوض المعارك، وقد أستدعى هذا التطور إلى تشكيل ثلاثة قطاعات فدائية تمتد من أم قيس في شمال الأردن إلى وادي عربه جنوب البحر الميت وهذه القطاعات هي:
1- قطاع الشمال بقيادة معاذ عابد.
2- قطاع الوسط بقيادة الرائد خالد وبعد استشهاده تسلم بادي عواد قيادة القطاع.
3- قطاع الجنوب وتناوب على قيادته كل من نعيم وشاحي، ومن ثم منذر الدجاني (أبو العز)، وبعدها استقرت قيادة القطاع على موسى عرفات.
أنتقل الأخ/ نعيم أبو محمود إلى جنوب لبنان للبدء بإنشاء القواعد الارتكازية للمقاتلين، عين بعدها قائد لكتيبة نسور العرقوب، بعد الخروج من الأردن حث كان تجمعها في طرطوس ومن ثم انتقلت إلى الجنوب اللبناني، نعيم المقاتل القائد كان يتمتع بشخصية مميزة وهو مقاتل فذ، ومحبوب لدى كل الفدائيين لجرأته وعدله وأخلاقه العالية، عندما تسلم قيادة كتيبة نسور العرقوب، كان نعيم يحب أن يقوم بجولته على القواعد سيراً على الأقدام في منطقة تمتد على الأراضي الوعرة والتلال عند سفوح جبل الشيخ، إنه يفضل السير على قدميه على أن يقع ضحية غارة مفاجئة ومباغته للطائرات الإسرائيلية.
نعيم رجل متوسط القامة، قوى البنية، ملامح وجهه قاسية للغاية، لفحتها حدة التعرض للشمس، ممزوجة بشخصيه أبويه واضحة، وملامح عربية ترسم في كل تعابير وجهه، كان لطيفاً مع الجميع، كان نعيم يمشى المسافات بدون حراسات.
أنتخب الأخ/ نعيم أبو محمود عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح من خلال المؤتمر الثالث الذي عقد في شهر سبتمبر عام 1971م بدمشق، هذا المجلس هو السلطة الثانية بعد اللجنة المركزية للحركة.
سافر نعيم مع الأخ أبو عمار إلى كوبا وعدة دول أخرى ضمن وفود الحركة.
في عام 1975م أرسل الأخ نعيم في دورة كوادر إلى فيتنام حيث كان قائداً لتلك الدورة، ود. حنا ميخائيل (أبو عمر) المفوض السياسي والذي كان يقوم بالترجمة عند إلقاء المحاضرات باللغة الإنجليزية.
كان نعيم أبو محمود معجب كثيراً بالتجربة الفيتنامية وما يقع فيها من قتال ومعارك ضد القوات الأمريكية فيقول (شعب صغير بإمكانيات متواضعة وإرادة عالية، ينتزع استقلاله من أعظم الدول وأقواها في التاريخ، ولكن ما ينقصنا هو (هانوي) تحمي ظهورنا وهذا غير متوافر إلى الآن.
نعيم هو من القلائل الذين يتحدثون مع الأخ/ أبو عمار بنديه واضحة، فهو من القادة العسكريين في فتح الذين رفضوا حل الدولتين وأصر على شعار الدولة الديمقراطية التي يتعايش فيها (المسلمون والمسيحيون واليهود في كل فلسطين) ورغم هذا الاختلاف في وجهات النظر إلا أنه شديد الاحترام والإعجاب لأبي عمار ويحبه كثيراً.
أثناء الحرب الأهلية في لبنان عام 1976م ولتعويض الخسارة من جراء استشهاد القائد الحاج حسن في الشمال ووجود بعض العبث في منطقة الشمال فقد قررت القيادة إرسال مجموعة بقيادة الأخ/ نعيم إلى الشمال لتحسين وضع الحركة هناك، ولأن الحركة كانت في حالة حرب مع السوريين ومع الأنغراليين، لم يكن أمام هذه المجموعة من طريق للوصول إلى طرابلس سوى البحر، فتحركت تلك المجموعة من صيدا إلى طرابلس بقيادة ثلاثة من خيرة القيادات لقيادة منطقة الشمال، وهم (عبد الحميد وشاحي/ نعيم) قائد كتيبة نسور العرقوب المتميز والعنيد ود. أبو عمر حنا (حنا ميخائيل) النموذج الجيد والقدوة الحسنة والمفوض السياسي، وأبو الوفا (حكمت المصري) المقاتل الصلب الذي سيتولى مكان الشهيد الحاج حسن في قيادة كتيبة الجليل، حيث كان أبو الوفا صديقاً للسرية الطلابية ويؤمن بطريقه تفكيرها.
أبحرت المجموعة ليلة 19-20/7/1976م معاً في القارب من صيدا متجهين إلى شمال لبنان وسط البحر قبالة بيروت انقطع الاتصال بهم، ثم انقطعت الأخبار وسط الترجيح أنهم اكتشفوا وأن اشتباكاً وقع وربما أغرقوا في البحر أو تم اعتقالهم وتصفيتهم على يد حزبي الكتائب والأحرار، أو تم تدمير زورقهم من قبل الزوارق الإسرائيلية، لقد اختفت أثار المجموعة ولم يستطيع أحد أن يقف على أثر لهم على الرغم من الجهود المضيئة التي بذلت في المجال، إلا أن المعلومات تؤكد فيما بعد أنه تم اعتقالهم من قبل حزب الكتائب وتم تصفيتهم جميعاً.
تكونت المجموعة من الأخوة التالية:
1- عبد الحميد عيد محمود وشاحي (نعيم).
2- حنا إبراهيم ميخائيل (د. أبو عمر).
3- جودت إسماعيل المصري (أبو الوفا).
4- محمد صادق سالم (الشيخ أمين).
5- محمد محمود أحمد الجعبري (أبو عساف).
6- محمد سليم أشكنتنا (طراد).
7- علي يوسف سويدان (ضرار).
8- منذر عبد الكريم نمر تايه (منذر).
9- عزمي حافظ عبد الهادي (أبو العز).
10- محمد محمود شفيق (ثائر).
11- سعيد هاني رمرية.
12- محمد السوسي.
لقد عاش نعيم مناضلاً صامتاً، وفياً مخلصاً لفلسطين ولحركته الرائدة، ملتزماً وطنياً بامتياز، رحل مبكراً قبل أن تتكحل عيناه برؤية مآذن القدس وكنائسها ودولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
هذا هو قدر الشعب الفلسطيني، وقدره أن يؤكد كينونته وبقاءه من خلال شلال الدم المتدفق لآلاف الشهداء، هؤلاء الشهداء النجوم الذين يضيئون لنا الدرب لإقامة دولتنا الفلسطينية.
لقد كان المناضل القائد/ نعيم أبو محمود شمعة مضيئة في تاريخ الثورة الفلسطينية، وقائد له بصماته التاريخية في المسيرة، لن ننساه وهو الشهيد الحي.
رحم الله شهيدنا القائد/ نعيم (عبد الحميد وشاحي) وأسكنه فسيح جناته، وليكن تكريم هؤلاء الشهداء الأبطال من قبل قيادتنا بداية لكافة الشهداء الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل القضية والوطن، هؤلاء لم يغيبوا عن ذاكرة كل الشرفاء في هذه الحركة.