بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
عبد المجيد نمر زغموط المولود في بلدة الصفصاف في الجليل الأعلى عام 1946م هاجرت عائلته إلى سورية بعد النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948م.
بعد أن أنهى دراسته الأساسية التحق في الحرس القومي لحزب البعث السوري وعندما انطلقت حركة فتح عام 1965م كان من الرعيل الأول الذي تفرغ بالحركة فيها، وكان من أوائل الفدائيين الذين أطلقوا رصاصات الفتح داخل الأرض المحتلة.
بتاريخ 9/5/1966م شهدت حركة فتح أزمة كادت تعصف بالحركة وهي في مهدها ومراحلها الأولى وذلك من خلال قيام البعض المحسوبين على النظام السوري بعمل انقلاب في الحركة والاحتكام إلى السلاح، في ذلك اليوم كان كل من الأخوين/ زكريا عبد الرحيم، وعبد الكريم العكلوك متواجدين في منزل يقيم فيه الأخ/ أبو عمار في منطقة المزرعة بالقرب من الجامع الكويتي، وأد بالنقيب/ يوسف عرابي ومعه الملازم أول/ عدنان العالم يقرع الجرس فتم فتح الباب لهم حيث دخلوا إلى الصالون مسرعين وفي حالة هياج وبعدها بلحظات قرع جرس الباب مرة ثانية فقام الأخ/ أبو العبد العكلوك بفتح الباب الخارجي فوجد الأخ/ محمد حشمة، وما أن جلس الأخير حتى بدأ النقيب/ يوسف عرابي بسؤاله عن أماكن تخزين الأسلحة التي وصلت إلى الحركة من الجزائر قبل فترة من الزمن، على أثرها حصلت مشادة كلامية بين الطرفين وتبادلا الصراخ بأعلى الصوت حيث وصل بهم الأمر إلى درجة الاشتباك بالأيدي، في تلك اللحظة قرع جرس الباب وكان القادم هو عبد المجيد زغموط حاملاً بيده بندقية بصفته يعمل في الحرس القومي لحزب البعث السوري حيث توجه جهة الصراخ، فقام بإطلاق رصاصة في السقف هادفاً فك الاشتباك لكن الطلقة أصابت النقيب/ يوسف عرابي بالخطأ، حينها قام عبد المجيد زغموط بالهرب من المنزل، وفي تلك اللحظة قام الملازم أول/ عدنان العالم بسحب مسدسه مطلقاً النار باتجاه محمد حشمة التي أصابته في مقتل على الفور، قام الأخ/ زكريا عبد الرحيم بالاتصال تلفونياً بالضابطة الفدائية وأخبرهم بالحادث حيث حضرت سيارة إسعاف سورية إلى المكان وحاولوا إسعاف يوسف عرابي إلا أنه فارق الحياة.
في تلك الأثناء تم اعتقال كل من الأخوة/ زكريا عبد الرحيم، عبد الكريم العكلوك، والملازم أول/ عدنان العالم، أما عبد المجيد زغموط فقد سلم نفسه بعد هروبه من المنزل طوعاً إلى الشرطة السورية.
في تلك الأثناء كان كل من الأخوين/ أبو عمار وأبو جهاد يعقدان اجتماعاً مع المخابرات السورية، وبعد انتهاء الاجتماع توجها إلى منزل أبو جهاد حيث حضرت دورية سورية وقامت باعتقالهما وكذلك اعتقل كل من الأخوة/ أبو صبري، مختار بعباع، إضافة إلى من تم اعتقالهم سابقاً من المنزل ووجهت لهم تهمة وقوفهم خلف الحادث الذي أودى بحياة النقيب/ يوسف عرابي، نقلوا جميع الأخوة إلى سجن الشرطة العسكرية السورية في دمشق وبعد مكوثهم مدة أسبوعين نقلوا إلى سجن يوجد في قلب قاعدة الضمير الجوية العسكرية التي كان يشرف عليها ناجي جميل حيث بدأ معهم التحقيق.
في تلك الأثناء تولت لجنة لقيادة حركة فتح مشكلة من كل أبو علي إياد، أم جهاد، أحمد الأطرش، لتسيير أمور الحركة فترة وجودة القيادة داخل السجن، وكان العمل يصب في اتجاهين، الأول اتجاه يسعي لتكثيف الاتصالات بهدف الإفراج عن القيادة المعتقلة، والثاني يسعى لتثبيت أوضاع حركة فتح ومواصلة العمل العسكري وكان للاتجاهين معاً دور بارز في تغيير مسار هذه القضية.
على مستوى حركة فتح تشكلت لجنة من الأخوة/ أبو لطف، أبو إياد، أبو يوسف النجار قابلوا خلال حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع والذي استقبلهم بجفاء، ولكن بعد أن سمع لآرائهم أمر بالإفراج عن كل من الأخوة/ أبو عمار، أبو صبري، مختار بعباع بعد أن أمضيا ثلاثة أشهر في السجن، وكان قد سبقهم في الإفراج الأخ/ أبو جهاد وذلك بسبب وفاة ابنه نضال، بقى كل من الأخوة/ أبو العبد العكلوك وزكريا عبد الرحيم وعبد المجيد زغموط قيد الاعتقال وبعد خمسة أشهر صدرت لائحة اتهام خطية نسبت لهؤلاء الأخوة تهمة التحريض على القتل مع سبق الإصرار.
شكلت من قبل السوريين محكمة عسكرية عرفية خاصة برئاسة المقدم/ مصطفى طلاس آنذاك، وضمت في عضويتها كل من العقيد/ محمود عزام والرائد/ رئيف علواني، والمقدم/ ناجي جميل، وقد حضر المحاكمة الأخ أبو جهاد الوزير كشاهد نفي وقدم أمام تلك المحكمة مرافعته ودفاعه السياسي ليس عن الأخوة الثلاثة المعتقلين، ولكن عن حركة فتح نفسها وخطها ونهجها السياسي والعسكري، حيث أصدرت المحكمة بتاريخ 30/11/1966م حكماً بالبراءة لكل من الأخوة/ أبو العبد العكلوك وزكريا عبد الرحيم لعدم ثبوت الأدلة والقرائن، بينما أصدرت حكمها بالإعدام على عبد المجيد نمر زغموط، لكن الحكم لم ينفذ فيه وظل معتقلاً لما يقارب الـ 34 عاماً.
كان عبد المجيد زغموط قد تعرض للتعذيب لمدة تزيد عن ستة أسابيع منذ أن قام بتسليم نفسه للسلطات السورية لقد كادت هذه الأزمة أن تعصف بحركة فتح في مراحلها الأولى وهي الأزمة التي جعلت قيادة حركة فتح في ذلك الوقت أن تتخذ قراراً بتوزيع مراكز قيادتها ما بين الأردن وسورية ولبنان تجنباً لأزمات مشابهة قد تحدث مستقبلاً، لتنتهي هذه الأزمة التي وضعت مصير حركة فتح في دائرة الخطر وفي مهب الأعصار، لكنها كشفت أيضاً نوايا القوى التي دفعت باتجه تفجير الأزمة ومضاعفة الضغوطات ومواصلة التصعيد.
أودع المناضل/ عبد المجيد نمر زغموط في السجن العسكري في صيدنايا بالقرب من دمشق حيث استمر اعتقاله مدة (34 عاماً) حتى توفاه الله في شهر فبراير عام 2000م عن عمر ناهز الرابعة والخمسين عاماً إثر صراع من مرض السرطان استمر لأكثر من عام نتيجة المدة الطويلة التي قضاها خلف القضبان في ظروف سيئة.
أثناء وجوده في السجن قام عبد المجيد زغموط بالانتساب إلى جامعة دمشق حيث حصل على الليسانس في الحقوق.
في عام 1989م أمر وزير الدفاع السوري آنذاك بتخفيض حكم الإعدام إلى حكم بالسجن لمدة تعادل المدة التي قضاها عبد المجيد زغموط بالسجن، كما أمر بالإفراج عنه ما لم يوجه إليه تهمة جنائية أخرى، ومع ذلك تجاهلت الجهات المختصة هذا الأمر وظل عبد المجيد زغموط رهن الاعتقال بالرغم من وضعه الصحي الصعب.
ظل عبد المجيد زغموط رهن الاعتقال وفي اكتوبر عام 1998م نقل إلى مستشفى السجن بسبب وجود قرحة مزمنة وعانى من مرحلة متقدمة من مرض السرطان، وفي يونيو من عام 1999م أجريت له عملية جراحية في مستشفى تشرين العسكري ولم يعد بعدها قادراً على تناول الطعام حيث كان يتم تغذيته عن طريق أنبوب يمر عبر الأنف.
عندما توفيت والدته لم تسمح السلطات السورية له بالخروج من السجن لوداعها أو إلقاء النظرة الأخيرة على جثمانها.
هذه هي حالة الأنظمة العربية وسجونها بالنسبة للمناضلين
انتقل عبد المجيد نمر زغموط إلى رحمة الله تعالى في بداية شهر فبراير عام 2000م ليخرج من المعتقل إلى القبر.
رحمك الله يا عبد المجيد نمر زغموط وأن يسكنك فسيح جنانه من النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.