بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد وجيه حسين طلعت المدني في مدينة عكا عام 1921م، حيث شاءت الأقدار أن تتوفى والدته وهو في سن الثالثة من العمر، ومن ثم يتوفى والده وعمره سبع سنوات، نشأ في رعاية شقيقة، ولم تمض مدة حتى لحق شقيقه بأمه وأبيه فعاش مع أبناء أخيه الذين هم أكبر منه سناً.
بدأت دراسة وجيه المدني في مدينة عكا ثم أتمها في مدينة يافا، حيث كانت منارة علمية في ذلك الوقت، يقصدها طلبة العلم ومن كان يود إكمال تعليمه، أتم الثانوية وحصل فيها على شهادتها وكان يطلق عليها وقتذاك (المترك).
لاعتماده على نفسه منذ الصغر وخصوصاً بعد وفاة والديه وحبه للحياة العسكرية فكان طموحه منذ البداية وسيلة الالتحاق بالكلية العسكرية، لذا توجه إلى الكلية العسكرية الموجودة في مدينة يافا إبان الانتداب البريطاني وأتم فيها علومه العسكرية وتخرج منها برتبة ضابط عسكري.
التحق الضابط/ وجيه المدني في البعثة العسكرية السعودية الموجودة في مدينة الطائف وذلك عام 1946م واستمر في عمله حتى عام 1948م.
عام 1948م قدم استقالته من وزارة الدفاع بالطائف وانضم إلى قوة جيش الإنقاذ الذي شكل من قبل اللجنة العسكرية للجامعة العربية من المتطوعين من البلدان العربية وشارك في حرب عام 1948م.
بعد انتهاء حرب عام 1948م وبعد مضي زمن له في جيش الإنقاذ خرج منه عام 1950م ليعمل بعدها في التجارة متنقلاً بين بيروت وتركيا حتى عام 1953م.
عام 1953م كان وجيه المدني الضابط العسكري قد نما ذكره للمهتمين بشئون العسكرية وللقادة المعروفين، وحين تم تشكيل وحدات الجيش الكويتي وتكوين لبناته الأولى استدعي من قبل الشيخ المرحوم/ عبد الله المبارك الصباح وأرسل له جواز سفر كويتي لينتقل به من بيروت إلى الكويت حيث التقى مباشرة بالأمير المرحوم الشيخ عبد الله المبارك والتحق على الفور في الجيش الكويتي.
عند انضمامه للجيش الكويتي تدرج الضابط وجيه المدني في الرتب العسكرية والمناصب القيادية، بدأ وجيه المدني الاهتمام بشئون التدريب في الجيش الكويتي حيث تولى تأهيل وتدريب المتطوعين والملتحقين في الجيش الكويتي وهو أول رئيس لهذه الوحدة من عام 1959 وحتى عام 1962م.
رافق الضابط وجيه المدني الشيخ/ مبارك العبد الله الصباح في كثير من المهمات الخارجية لحضور المؤتمرات، كما أسس ركن التوجيه المعنوي وتسلم منصب رئاسة ركن التوجيه وقام بتأسيس مكتبة خاصة للجيش.
عند تأسيس وإنشاء جيش التحرير الفلسطيني انتدب الضابط وجيه المدني من الجيش الكويتي حيث عين قائداً للجيش الفلسطيني وتم ترقيته إلى رتبة لواء من قبل رئيس اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، المرحوم/ أحمد الشقيري وذلك لتسهيل مسؤولياته الإدارية والعسكرية وكذلك عين عضواً في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف في تلك الفترة بدأت مراكز التعبئة والتجنيد في قطاع غزة والعراق وسورية تستقبل المتطوعين من أبناء الشعب الفلسطيني للتدريب على حمل السلاح والانضمام إلى صفوف جيش التحرير، وأخذ اللواء/ وجيه المدني يتنقل بين الدول العربية حيث أماكن التدريب.
احتفل قطاع غزة في الأول من أيلول عام 1965م بالذكرى الأولى لإنشاء جيش التحرير الفلسطيني تحت سيادة الإدارة المصرية، حيث شهدت مدن القطاع استعراضات عسكرية حضرها حاكم القطاع العام المصري الفريق/ يوسف العجرودي واللواء/ وجيه المدني وكبار ضباط الجيش الفلسطيني.
بعد هزيمة حزيران عام 1967م، ومجئ قيادة جديدة للمنظمة رأت اللجنة التنفيذية الجديدة أن المرحلة الجديدة تتطلب إجراءات تغييرات في مناصب قيادة الجيش فعينت رئيساً جديداً لأركان جيش التحرير ومنحته اختصاصات القائد العام للجيش، على أثرها تم انتهاء انتداب اللواء/ وجيه المدني وعاد إلى الكويت.
كانت القراءة واكتساب العلوم هوية اللواء/ وجيه المدني فهو يتقن اللغتين الإنجليزية والتركية، كان وجيه المدني صادقاً مع الناس يحافظ على الموعد الذي يكون قد ارتبط به.
بتاريخ 30/9/1981م صدر مرسوم بتمديد خدمة الضابط وجيه المدني بعد بلوغه سن الستين بمنصب معاون نائب رئيس الأركان ورئيس هيئة الشئون القانونية والقضاء العسكري الأميري.
في عام 1983م صدر مرسوم أميري يقضي بترقية معاون رئيس الأركان رئيس هيئة الشئون القانونية والقضاء العسكري وجيه المدني إلى رتبة لواء ومن ثم نال تقاعده في 16 يوليو عام 1983م.
عندما وقع احتلال الكويت من قبل العراق كانت حالة اللواء / وجيه المدني الصحية حرجة فأمر الشيخ سعد العبد الله رحمه الله بنقله إلى الرياض وأدخل المستشفى العسكري ومن ثم حول إلى مستشفى الملك فهد التخصصي ، وقد قضى فترة الغزو العراقي للكويت وهو يتلقى العلاج .
كانت أمنية اللواء/ وجيه المدني أن يأتيه أجله وهو على أرض الكويت الغالية على نفسه، وفعلاً حقق الله تلك الأمنية فكانت وفاته بعد أن حررت الكويت في 14/9/1991م، ودفن في الكويت.
لقد كانت للحياة العسكرية أثر في سلوكه ومعاملته مع الآخرين ، ومن خلال تربية أولاده فهو الانسان الحنون الصبور متفهم لظروف الحياة، جعل الدراسة والحث عليها هي السبيل لأولاده .
تزوج / وجيه المدني عام 1950م ورزق بأبناء تسعة ، ست بنات وثلاثة أولاد وهم (د. يسر دكتوراه في الأدب الانجليزي عضو هيئة تدريس جامعة الكويت، خديجة ماجستير هندسة إلكترونية كهربائية، نازك ماجستير هندسة بيئية، طلعت هندسة طيران عمل برتبة مقدم في سلاح الجو الكويتي توفي عام 1994، إيمان بكالوريوس هندسة كمبيوتر، طارق بكالوريوس هندسة الكترونية، طلال بكالوريوس هندسة صناعية، إلهام بكالوريوس علوم كمبيوتر، هدى بكالوريوس علوم كمبيوتر، وجميع أولاده متزوجون ولديه من الأحفاد خمسة وعشرون حفيداً.
لقد كانت نظرة اللواء/ وجيه المدني للحياة تختلف عن كثير ممن كانوا حوله وذلك من جراء الخبرة الواسعة التي اكتسبها من خلال مراحل عمره والثراء اللغوي الذي كان يتمتع به، كان ينصت للتحدث بكل انتباه ثم يبدي رأيه بكلمات موجزة مبيناً ما عنده من مخزون ثقافي وسياسي.
رحمك الله يا أبا طلعت وأسكنك فسيح جناته.