بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
الفنان/ ناجي سليم حسين العلي، ولد عام 1938م في قرية الشجرة بالجليل الشمالي، حيث ولد المسيح بين طبريا و الناصرة. أخرجوه من بلدته بعد عشر سنوات و ذلك عندما حلت النكبة بالشعب الفلسطيني عام 1948م، حيث اضطرت عائلته للنزوح إلى جنوب لبنان، و استقر بهم المطاف في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب مدينة صيدا اللبنانية، حيث وصلوا إلى المخيم حفاة الأقدام، و في واحدة من الخيام البالية كان ناجي العلي ووالده ووالدته وإخوته الثلاثة صبيان وبنت واحدة ينامون على (حصيرة) حملتها معها أمه في رحلة الهجرة القسرية مع بابور من الكاز.
نشأ ناجي العلي في الخيم التي تتوسط مخيم عين الحلوة، يعاني مثل أبناء وطنه من اللاجئين ويلات العيش التي لا تتوافر فيها أدنى وسائل العيش الكريم، عمل الشاب/ ناجي العلي في البدايات في (قطف الحمضيات) كالبرتقال والليمون من البيارات، وهذا العمل يعتبر من الأعمال ذات المردود المادي عديم الفائدة، لكنه بالكاد يسد الرمق.
لم يتمكن ناجي العلي من الحصول على المستوى التعليمي الذي كان يتمناه، فقط اضطر في كثير من الأحيان لترك مقاعد الدراسة والذهاب إلى عمل المياومة في البيارات، لكنه تمكن في النهاية من الحصول على دبلوم في الميكانيك من مدرسة مهنية في طرابلس شمال لبنان، وتدبر نفسه عام 1957م في رحلة عمل إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل هناك ميكانيكي سيارات، وظل هناك حتى عام 1959، فعاد إلى لبنان، بعد أن وفر بعض النقود على أمل أن يسافر إلى مصر أو ايطاليا لدراسة فن الرسم الذي كان مولعاً به منذ الطفولة وقد حباه الله بهذا الفن الجميل، الا أن ظروف المعيشة حالت دون ذلك فعمل (معلم رسم) للأطفال في المدرسة الشيعية الجعفرية في جنوب صور.
في عام 1962م أقام شباب مخيم عين الحلوة احتفالاً شعبياً بيوم فلسطين، و قد شارك ناجي العلي في هذا الاحتفال بعرض مجموعة من رسوماته التي تعكس همه الوطني، و كان من أبرز المدعوين لهذا الاحتفال الأديب والصحفي الفلسطيني/ غسان كنفاني، الذي كان عائداًبعد سنوات عمل في دولة الكويت، وتسلم العمل بمجلة الحرية مسؤولاً عن القسم الثقافي فيها، تعرف ناجي العلي على غسان كنفاني في ذلك الاحتفال حيث أبدى كنفاني اعجابه الشديد برسوماته، وعرض عليه الانضمام إلى صفوف حركة القوميين العرب، ووعد بنشر رسوماته في مجلة الحرية، و صدق كنفاني في وعده، و خلال عمل ناجي العلي في المجلة، توثقت علاقته بغسان كنفاني، حيث قام الأخير بمساعدته بالسفر إلى الكويت.
سافر ناجي العلي للعمل في مجلة الطليعة الكويتية، و بدأ بنشر رسومه الكاريكاتيرية على صفحاتها، وظل ناجي العلي مواظباً على العمل في تلك المجلة حتى عام 1968م، حيث غادر ناجي العلي الكويت طوعاً إلى لبنان، وعندما عاد قرر الزواج من السيدة/ وداد نصر، عاد ناجي العلي مرة ثانية إلى الكويت برفقة زوجته حيث سكن في حي الفروانية الشعبي، وهو من الأحياء الفقيرة في الكويت المستأجرة في غالبتها من الوافدين الفلسطينيين و الأردنيين، في تلك الفترة نضجت مداركه السياسية لدرجة أنه أصبح فيها متحدثا صلباً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، واظب ناجي العلي على العمل في صحيفة السياسة الكويتية حتى العام 1974م، بعد أن تم إيقاف صحيفة الطليعة عاد إلى لبنان ليعمل في صحيفة السفير اللبنانية، و تركها بعد فترة ثم عاد مرة أخرى للكويت ليعمل في نفس صحيفة السياسة حتى العام 1978م، ثم رجع إلى لبنان ليعمل مرة أخرى في صحيفة السفير اللبنانية حتى عام 1983م، حيث حضر الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م.
ترك ناجي العلي لبنان و أنضم إلى اسرة جريدة (القبس) الكويتية حتى العام 1985م، حيث صدر قرار من الحكومة الكويتية بترحيله خارج البلاد لأسباب مجهولة لم تعلن عنها، و عليه فقد قرر ناجي العلي السفر إلى لندن عام 1985م, عمل في لندن مع مكتب صحيفة القبس الدولية الدولية الكويتية حتى عام 1987م عندما تم اغتياله.
يوم الاغتيال: الأربعاء الموافق 22/7/1987م الساعة 5:13 بتوقيت جرينتش.
أوقف رسام الكاريكاتورية الفلسطيني المعروف/ ناجي العلي سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع أيفنر بجنوب غرب لندن، ترجل منها بهدوء، بعد أن جمع بعض الأوراق التي تحوى آخر رسومه الكاريكاتيرية و تأبطها، ثم سار على مهل في اتجاه مكتب صحيفة القبس الدولية الكويتية، ولم يعلم الفنان/ ناجي العلي أن قاتلاً يترصده، وبرغم التهديدات التي تفوق المائة حسبما كان يقول لزملائه سابقاً، والتي كانت تنذره بالعقاب على رسوماته و تلقيه معلومات وافية بأن حياته في خطر نظراً لأن الموساد الاسرائيلي قد جعله هدفاً إلا أن ناجي العلي لم يتخذ لنفسه أية إجراءات للحماية لإيمانه القدري، الحذر لا يمنع القدر، لذلك كان اقتناصه سهلاً، و ما كاد ناجي العلي أن يقترب من مخزن (بيتر جونز) القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل/ وسار في موازاته أخرج مسدسه و أطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي ثم لاذ بالفرار، وقع ناجي العلي على الأرض مسربلاً بدمائه و بيده اليمنى مفاتيح سيارته و رسوم يومه تحت ذراعه، وكان أول الواصلين إليه أحد البريطانيين الذي يعملون في المخزن، نقل ناجي العلي إلى مستشفى (القديس ستيفن) وهو خاضع لجهاز التنفس الصناعي، ثم جرى تحويله إلى مستشفى (الصليب تشارنج)، و أدخل إلى جراحة الأعصاب، أعيد بعدها إلى مستشفى (القديس ستيفن)، ظل ناجي العلي يصارع الموت حتى يوم السبت الموافق 29/8/1987مفانتقلت روحه إلى بارئها تمام الساعة الثانية فجرا.
شارك في جنازة الفنان ناجي العلي العرب المتواجدين في لندن و نقل جثمانه إلى مقبرة (بروك وود) الاسلامية في لندن، وهكذا طويت حياته شهيداً، وطريداً عن وطنه فلسطين الذي حمله على أكتافه، وجعل من رسوم الكاريكاتير وسيلته الوحيدة للتعبير عن هم ومعاناة و آلام أبناء شعبه، مجسدا بصورة (حنظله) ابنه الفني لرؤيته الفكرية وموقفه السياسي.
دائماً في رسومات ناجي العلي يواجهنا الطفل الذي غالباً ما أدار ظهره للقارئ، وهو بلا صفحة وجه، وهو بملامح موجزة، ولكنه طفل بسيط ساذج، مضحك، مبكِ، في أحوال أخرى.
إن (حنظلة) هذا شاهد العصر الذي لا يموت، الشاهد الذي دخل الحياة عنوة، ولن يغادرها أبدا، إنه الشاهد الأسطوري، وهذه الشخصية غير قابلة للموت، ولدت لتحيا، وتحدت لتستمر.
الفنان/ ناجي العلي رسام كاريكاتير فلسطيني بامتياز، تميز بالنقد اللاذع الذي يعمق عبر اجتذابه للانتباه الوعي الرائد من خلال رسومه، ومن أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على ريادة التغيير باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف، قام برسم عشرات الآلاف من الرسومات الكاريكاتورية.
لقد تم اغتيال الفنان/ ناجي العلي، الملتزم بقضية فلسطين، لأن ريشته لعبت دوراً هائلاً و مؤثراً في هذا الزمن العربي الرديء ، و لأن فنه كان ينبع من الجماهير و يصب في بحر الجماهير، لقد كان الفنان ناجي العلي ابناً باراً للجماهير البسيطة، ولكل الناس الطيبين.
لقد أمضى الراحل الفنان الشهيد جل عمره، حاملاً ريشته الفذة، حافراً في الصخر اسم وطنه الذي يستعصي النسيان، الاسم المنذور للنصر.
لقد ناضل الفنان/ ناجي العلي من أجل فلسطين، ومن أجل الجماهير، و من أجل الفن الملتزم، و من أجلها استشهد ناجي العلي ابن قرية الشجرة.
رحمك الله أيها الفنان الكبير الشهيد/ ناجي العلي، و أسكنك فسيح جناته