بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
شهيدنا البطل/ عبد الله صيام من مواليد قرية الجورة، 1934م حيث تعرضت هذه القرية للتدمير الممنهج عام 1948م وتم طرد سكانها الأصليين منها، حيث اقام الصهاينة مستعمرة على أراضيها، وبعد الهجرة استطاع أبناؤها تكملة تحصيلهم العلمي حيث تخرج منهم الكثيرة من الأطباء والمهندسون والصيادلة ونبغ العديد من أبنائها في شتى المجالات الدينية والدنيوية، نزحت عائلة الشهيد إلى غزة حيث استقر بهم المطاف والتحق بمدارسها إلى أن أنهى الثانوية العامة، والتحق بجامعة القاهرة لدراسة الهندسة وكان أول طالب فلسطيني يتخصص في هندسة الطائرات.
وعندما كان طالباً في جامعة القاهرة وأثناء حضوره العطلة الصيفية كان الشهيد القائد أبو جهاد يكلفه بقيادة احدى المجموعات الفدائية التي كانت تنطلق إلى منطقة “هربيا” .
تخرج عبدالله صيام مهندساً في تخصص الطيران حيث عمل في شركة طيران عاليةومن ثم في سوريا، بعد ذلك لمدة بسيطة انتقل بعدها إلى سلاح الطيران في العراق وكان من أكفاء الضباط المهندسين، وعند إنشاء جيش التحرير الفلسطيني ترك عمله في سلاح الطيران والتحق بالكلية الحربية العراقية ليتخرج بعدها برتبة الملازم أول مهندس حيث عمل في وحدات جيش التحرير في العراق قوات القادسية وعندما حدثت حرب 1967م انتقل مع قواته إلى الأردن ومن ثم إلى سوريا حيث انضم إلى قوات حطين وذلك بعد أحداث أيلول عام 1970م، قاتل في حرب 1973م بكل شجاعة وبسالة، كان الشهيد عبدالله صيام قائداً للكتيبة 423م/ط وفي شهر يناير عام 1976م انتقلت القوات إلى لبنان حيث كانت كتيبته متواجدة في سهل البقاع وعندما ساءت العلاقات بين الثورة الفلسطينية وسوريا طلب من العقيد العودة إلى سوريا حيث حصل تمرد في وحدات جيش التحرير الفلسطيني، وعندما بدأت الاشتباكات بين قوات منظمة التحرير والقوات السورية في لبنان عام 1976م آثر على أن يلتحق بالشرعية فتم إلقاء القبض عليه ووضع في السجن لمدة من الزمن، حيث قام مع زملائه بإضراب عن الطعام لفترة طويلة، وعند الإفراج عنه قام بالالتحاق بجيش التحرير في لبنان حيث تولى قيادة قوات التحرير الشعبية حتى تاريخ استشهاده.
لقد كان القائد الشهيد/ أبو جهاد وفياً لذكرى الشهيد/ عبد الله صيام الذي انضم لاحقا كضابط محترف إلى صفوف جيش التحرير الفلسطيني، ورغم الطابع النظامي لهذا الجيش ورغم وصول الشهيد/ عبدالله صيام إلى رتبة العقيد ركن إلا أنه حافظ على فدائيته وبساطته وتواضعه وكان دائماً على رأس جنوده وفي طليعتهم حيث كان الشهيد أبو جهاد يتحدث عنه في كل لقاءاته باستمرار منذ أن تعارف عام 1954م.
لقد كان الشهيد دمث الخلق ويتصف بصفات حميدة، يعامل كافة زملاءه ومرؤوسيه بلطف وحكمة وكياسة، كان متواضعا بسيطاً زاهداً في الحياة.
لقد بدأ عبد الله صيام حياته فدائياً عام 1954م واستشهد فدائيا عام 1982م وكانت معركة “خلدة” هي مأثرته الأخيرة التي انكسرت على مداخلها الحرب الإسرائيلية الخاطفة بعد أن فشلت الفرقة المدرعة التي كان يقودها الجنرال الإسرائيلي(أموس ياريف) والمعززة بكل صنوف المدفعية والقصف الجوي والبحري في اختراق منطقة مثلث”خلدة” الذي يعد بمثابة بوابة بيروت الجنوبية.
كان عبد الله صيام هناك، واستشهد في الموقع الأول من المواجهة، كفدائي عظيم وابن بار للشعب الذي أنجبه، قاتل ومعه رفاقه قتال الأبطال، واستشهدوا في الدفاع عن “خلدة” وأدركوا أن صمودهم في “خلدة” هو صمود لبيروت كلها.
استشهد عبدالله صيام في موقعه وهو يدافع ولم يتمكن رفاقه من إحضار جثمانه حتى الآن، لكن فخر عبد الله صيام أنه كان بداية طريق الصمود على تراثه وتراث أمثاله، يبني المقاتلون الملحمة الكبرى، أنه الشهيد الذي ينبثق ويتجدد في كل مكان، هكذا كان العقيد الركن المهندس ابن قرية الجورة عبدالله صيام، حيث نال الشهادة التي تمناها طوال حياته.
استشهد عبدالله صيام وعدد من رفاقه مسجلين أروع الملاحم البطولية في التاريخ، هكذا مضى أبو سالم عن عمر ناهز الثامنة والأربعون عاماً في عز الشباب وفي أوج العطاء والكبرياء والشموخ.
لقد عاش بطلاً مجاهداً وارتقى إلى العلا شهيداً في سبيل الله والوطن والقضية، لذا فإن من أول شروط الوفاء لهؤلاء القادة العسكريين الشهداء أن ندعو إلى تشكيل لجنة لكتابة تاريخهم العسكري الحافل بالعطاء وتسجيل صفحاتهم المشرفة التي تسهم إسهاماً فعالاً في حماية الذاكرة الفلسطينية والحفاظ عليها من الاندثار، وأخص بالذكر أولئك القادة العسكريين الأحياء منهم من ضباط جيش التحرير الفلسطيني الذين زاملوه في العمل لتوثيق ذلك
عبدالله صيام كان إنساناً عادياً ولم يكن خارقاً، لقد عرف معنى أن يكون فلسطينياً بجدارة وأن يدافع عن وطنه مهما كلف الأمر ومهما كانت التضحيات.
واليوم ونحن في ظل ذكراه لا نملك من حقيقة الأشياء إلا أن نقول سلاماً على روحك الطاهرة العطرة يا ابن فلسطين يا ابن قرية الجورة التي قدمت قوافل من الشهداء الأكرم منا جميعاً.
لقد رحلت وعشقك لقريتك الجورة تحيا في روحك الطاهرة لأنك أحببتها وأحبتك وأحببت كل فلسطين، حيث بذلك حياتك من أجلها.
ومن المؤكد أن نموذج شهيدنا البطل سوف يعيش في ذاكرتنا لفترة طويلة من الزمن وذلك من خلال سيرته الطيبة العطرة وسوف يقوم الكتاب الأوفياء بالكتابة عن تجربته وعن شرف العسكرية الفلسطينية التي كان ينتمي إليها.
رحمك الله يا شهيدنا البطل، ولذكراك الخلود، وأسكنك الله فسيح جناته أنت وجميع رفاق دربك الذين صدقوا والذين صاروا على نفس الدرب والتحقوا بك فهنيئاً لهم جميعاً.