بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
أحمد أسعد الشقيري علماً من أعلام فلسطين، ورائداً من روادها، ورمزاً من رموزها التي نفتخر بهم، الشخصية السياسية والقانونية والدبلوماسية المتعددة الجوانب والمواهب، الزعيم الشعبي، والخطيب الجماهيري المفوه، والكاتب والمثقف، والمحامي والحقوقي البارع والدبلوماسي، ورئيس أول لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ أنشأها عام 1964م.
عاش أحمد الشقيري وعاصر القضية الفلسطينية وشاهد مآسي شعبه بعد الهجرة والانتقال إلى مخيمات الشتات والغربة في الدول العربية المجاورة بعيداً عن ديارهم الأصلية، حمل على كاهله هموم شعبه وقضيته العادلة، فوقف مدافعاً عنها في كافة المحافل الدولية.
ولد أحمد أسعد الشقيري في قلعة تبنين جنوب لبنان عام 1908م والدة الشيخ/ أسعد الشقيري كان مفتي الجيش الرابع العثماني، حيث كان من الشخصيات اللامعة في مدينة عكا الفلسطينية، وشغل عضواً في البرلمان العثماني ومن الأعضاء البارزين في جمعية الاتحاد والترقي وكان من أنصار الوحدة الإسلامية ومن المعارضين للتعامل مع الحلفاء (بريطانيا – فرنسا).
نفى والدة/ الشيخ أسعد الشقيري لمناهضة سياسية السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وتسلطه، والدة أحمد الشقيري هي تركية الأصل تم طلاقها من والده وتزوجت فيما بعد من شخص آخر حيث عاش أحمد الشقيري في كنف زوج أمه في مدينة طولكرم، توفيت والدته عام 1916م عاد بعدها باحثاً عن والده في مدينة عكا.
التحق/ أحمد الشقيري بالمدرسة في عكا حيث أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية وفي هذه المرحلة برزت قدراته الخطابية وإتقانه للعلوم العربية والدينية، أنهى دراسته الثانوية في مدرسة صهيون الملحقة بالكنيسة الإنجيلية بالقدس وهي مدرسة داخلية وضعه والدة فيها حيث تخرج من المدرسة عام 1926م، التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت حيث انضم إلى (نادي العروة الوثقي) في الجامعة وكان هذا النادي مجتمع للطلاب من جميع الأقطار حيث أحس بروح الأمة ووحدتها، في العام التالي من الدراسة بالجامعة اشترك أحمد الشقيري في المظاهرة التي قام بها الطلاب في ذكرى شهداء السادس من آيار عام 1927م، حيث قام بإلقاء الخطب الحماسية وبالتنديد بالاستعمار والاستبداد، فأثرت حفيظة السلطات الفرنسية المحتلة فتم طرده من الجامعة وأبعاده عن لبنان وتم نقله مكبلاً بالأصفاد إلى الحدود الفلسطينية اللبنانية ومنها إلى مدينة عكا.
انتسب أحمد الشقيري عام 1928 إلى معهد الحقوق في القدس حيث كانت الدراسة مسائية، بدأ العمل في صحيفة (مرآة الشرق) وبهذا بدأ صفحة جديدة من حياته صحفياً وسياسياً في النهار، وطالباً في المعهد بالمساء.
تزوج أحمد الشقيري عام 1933م من ابنة مدينته وقد رزق فيما بعد بثلاث أولاد وثلاث بنات وهم (مازن، نزار، إياد، نجوى، رافدة، نائلة).
حصل على شهادة في القانون من معهد الحقوق في القدس.
شارك أحمد الشقيري في أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى بين عامي 1936- 1939، حيث نشط في الدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين، كذلك شارك في مؤتمر بلودان بسورية في أيلول عام 1937م، لقد دافع أحمد الشقيري بلسانه وبقلمه ضد الانتداب البريطاني، حيث قام بالدفاع أمام محاكم الانتداب البريطاني عن المناضلين والمعتقلين الثوار، مما حدا بسلطات الانتداب البريطاني لملاحقته فغادر فلسطين إلى القاهرة حيث أمضى بعض الوقت، عاد بعدها إلى فلسطين حيث قام بافتتاح مكتباً للمحاماة.
بعد الحرب العالمية الثانية تقرر تأسيس المكاتب العربية في عدد من العواصم الأجنبية حيث عين الشقيري أول مدير لمكتب الإعلام في واشنطن، ثم نقل بعد ذلك مديراً لمكتب الإعلام المركزي في القدس وظل على رأس عمله إلى أن وقعت النكبة عام 1948م، فاضطر إلى الهجرة إلى لبنان واستقر مع أسرته في بيروت.
اختير أحمد الشقيري من قبل الحكومة السورية ليكون عضواً في بعثتها لدى الأمم المتحدة عام 1949، 1950 وذلك للاستفادة من خبراته، بعدها عاد إلى القاهرة، وشغل منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حتى عام 1957م، اختير بعدها من قبل المملكة العربية السعودية لشغل منصب وزير الدولة لشؤون الأمم المتحدة، ثم عين سفيراً دائماً للمملكة في الأمم المتحدة.
بعد وفاة أحمد حلمي عبد الباقي باشا رئيس حكومة عموم فلسطين لدى جامعة الدول العربية وقع عليه الاختيار من قبل الملوك والرؤساء العرب لشغل منصب ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية.
عام 1964م انتخب أحمد الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد الإعلان عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية وقد صادق على الميثاق القومي والنظام الأساسي للمنظمة وقام بوضع أسس العمل والأنظمة وأشرف على إنشاء الدوائر الخاصة بها وتأسيس مكاتب لها في دول العالم وكذلك أشرف على بناء جيش التحرير الفلسطيني.
وعلى أثر هزيمة حزيران عام 1967م ظهرت خلافات بين أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبينه مما اضطر إلى تقديم استقالته في ديسمبر عام 1967م، حيث تم انتخاب يحيى حمودة رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة بالوكالة.
لقد كانت م.ت. ف بمثابة التجسيد الفعلي للكيان الفلسطيني الجديد والإنجاز الأهم منذ حدوث نكبة عام 1948م.
شارك أحمد الشقيري في مراحل حياته المختلفة منذ العام 1927م – 1967م في عشرات المؤتمرات العربية والدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وعاصر عشرات الرؤساء والملوك في تلك الحقبة التاريخية.
رفض أحمد الشقيري بعد استقالته أي عمل أو منصب رسمي وانصرف إلى الكتابة، فكان يقيم في منزله في القاهرة معظم أيام السنة وينتقل صيفاً إلى منزله في لبنان، لم يكن منزل أحمد الشقيري في القاهرة يخلو من زائريه الفلسطينيين والعرب، يتبادلون فيه الأحاديث ويديرون النقاش حول شتى القضايا العربية والدولية.
أثناء تولية رئاسة اللجنة التنفيذية ل.م.ت.ف. من تاريخ 28/5/1964 وحتى 24/12/1967م استقالته سافر إلى العديد من الدول العربية طالباً الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية وكذلك للبلدان الصديقة وفي مقدمتها الصين الشعبية التي حصل منها على كمية من السلاح لجيش التحرير الفلسطيني.
كان أحمد الشقيري خطيباً مفوهاً، ومتألقاً، وذو بديهة حاضرة باستمرار جعلت منه نجم بلا منازع في الخطابة بالمحافل والمؤتمرات، ولقد تميز الشقيري بسعة الثقافة والإطلاع بشتى المعارف والعلوم، حيث أمدته هذه بقوة البيان وفصاحة اللسان، ومساعدته في تأدية دوره السياسي باقتدار، بالإضافة إلى امتلاكه زمام اللغة العربية واللغة الإنجليزية.
لقد ساهمت مهنة المحاماة ودراستها وتعمقه فيها حتى غدا متبحراً في القانون من كل جوانبه المتعددة، فكان حجة في مرافعاته القانونية والسياسية عن القضية الفلسطينية، ومؤثراً في دفاعه عن قضايا التحرير والاستقلال للدول العربية.
منذ استقالته من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية وهو يقيم في القاهرة، وعندما وقع الرئيس الراحل/ أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل غادر الشقيري القاهرة إلى تونس حيث كان من المعارضين لهذه المعاهدة، أمضى عدة أشهر حيث أصيب بمرض عضال نقل على أثرها إلى مدينة الحسين الطبية في عمان للعلاج.
توفى أحمد الشقيري بتاريخ 25/2/1980م عن عمر ناهز الـ 72 عاماً، وبناء على وصيته دفن في مقبرة الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح في غور الأردن التي تطل على فلسطين ولا تبعد سوى ثلاثة كيلومترات عن الحدود، تلك المقبرة التي تضم عدداً من قادة الفتوحات الإسلامية ومنهم سعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل وشرحبيل بن حسنه، وشارك في جنازته الأخ نائب القائد العام/ خليل الوزير (أبو جهاد) وقيادات فلسطينية وأردنية.
لقد كان المرحوم/ أحمد الشقيري من رموز الفكر العربي المعاصر الوحدوي والقومي، وكان موسوعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى في القول والعمل وفي جميع حقول المعرفة، لقد كان شمولياً في كافة التخصصات والاهتمامات ومتنوع في المواهب والكفاءات ومتعدد في الطاقات والقدرات والمهارات.
كان رحمه الله قائداً عربياً فذاً ووطنياً مناضلاً من أجل أمته العربية، كان خطيباً مفوهاً بليغاً في خطاباته السياسية يأسر المستمع إليه بسرعة.
خلف الراحل الكبير/ أحمد الشقيري خلفه عدداً كبيراً من الدراسات والمؤلفات التاريخية والسياسية والخطب التي تدور حول القضايا العربية والقضية الفلسطينية ومنها على سبيل المثال لا الحصر.
– من القدس إلى واشنطن (حول تجربته في المكاتب العربية).
– قضايا عربية – بيروت 1961
– دفاعاً عن فلسطين والجزائر – بيروت 1962.
– فلسطين على منبر الأمم المتحدة – بيروت 1965.
– مشروع الدولة العربية المتحدة- بيروت 1967.
– أربعون عاماً في الحياة السياسية – بيروت 1969.
– حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب- بيروت 1970.
– من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب (جزء أول) بيروت 1970.
– على طريق الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب (جزء ثاني) بيروت 1972.
– الهزيمة الكبرى مع الملوك والرؤساء العرب (جزء ثالث) بيروت 1973.
– معارك العرب – ما أشبه الليلة بالبارحة – بيروت 1975.
– الطريق إلى مؤتمر جنيف – بغداد 1978.
– علم واحد وعشرون نجمة – بغداد 1978.
– صفحات من القضية العربية – بيروت 1979.
– الجامعة العربية كيف تكون جامعة، وكيف تكون عربية – تونس 1979.
– خرافات يهودية – عمان- 1981م.
وكذلك عشرات الكتب الأخرى:
هذه جزء يسير من مسيرة القائد الوطني الكبير أحمد أسعد الشقيري أول رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
رحمك الله يا أبا مازن وأسكنك فسيح جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.