بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد / هايل رضا عبد الحميد في مدينة صفد بشمال فلسطين عام 1937م وكان ترتيبه الأول بين أخوته الاثنين الآخرين مروان ، و فريال ، كان والده رضا عبد الحميد رجلاً طيباً عمل في التجارة لإعالة أسرته وشارك مع المجاهدين في التصدي للإنجليز والصهاينة خصوصاً في ثورتي 1936 ، 1939 ، إلا أن المرض داهمه وتوفي عام 1942م ، تاركاً أولاده الثلاثة في رعاية والدتهم ، بعد أربع سنوات من وفاة والدته زوج جده لأمه وهو قاضي صفد والدته من الشيخ عمر صوان الذي كان آنذاك رئيساً لبلدية غزة عام 1946م ، فاحتضنهم عمه أبو وائل الذي كان أصغر أعمامه ، ولهذا عاش هايل طفولته وهو يشعر بقسوة اليتم الكامل ويحلم بأمه وحنانها الذي افتقده بشدة سيما وأنه لم يرها إلا مرتين مرة في صفد عام 1947م أي بعد زواجها بعام واحد ، والمرة الثانية إلتقاها وأخوته عام 1955م في عمان ، وفي عام 1958م توفيت والدته في غزة قبل أن يقرر الإقامة معها وبشكل نهائي وأخوته في غزة.
التحق هايل بالمدرسة الابتدائية في صفد وكان طالباً مجتهداً وذكياً وصاحب خلق كريم ، وبعد سقوط مدينة صفد وفشل جيش الإنقاذ في الدفاع عنها وقيام العصابات الصهيونية باقتحام القرى الفلسطينية وارتكاب جرائم بشعة ضد السكان الآمنين المدنيين العزل ، لم يجد سكان صفد أمامهم سوى خيار مغادرة المدينة ، واتجه هايل وأخوته وأسرتهم إلى دمشق حيث عاشوا في كنف عمهم الذي أحاطهم برعايته وعاملهم كأبنائه ، كان هايل يشعر أنه المسؤول عن أخوته رغم صغر سنه ، في المرحلة الثانوية اتسعت مداركه وازدادت قدراته على استيعاب ما يدور حوله من أحداث فالتقى هايل بعدد من أصحابه وناقشوا سبل التحرك والعمل من أجل فلسطين حيث كان يؤمن إيماناً قاطعاً بأن على أبناء فلسطين أن يعيشوا طريقهم بأنفسهم وأن يعتمدوا على سواعدهم في العمل من أجل قضيتهم .
كان هايل عبد الحميد وطنياً مثالياً مقداماً ، صبوراً ، لا يخشى اقتحام المصاعب ، ولا يتردد في التصدي للهموم والمتاعب ، وقد صارح زملاءه المقربين بضرورة إقامة تنظيم سري يضم من يتفقون معهم في توجههم ، وهكذا نجحوا في إقامة تنظيم سري أسموه ( صوت فلسطين ) ووضعوا له نظاماً داخلياً وبرنامج للعمل يعتمد على الكفاح من أجل تحرير الوطن ، وقد تعرض هذا التنظيم للهجوم والتشكيك والاتهام مما دفع هايل ورفاقه إلى إلغاء اسم التنظيم واستبداله باسم(عرب فلسطين ) وبعد أن تم اعتقال أحد قياديي التنظيم أوقفوا نشاطهم .
الساحة الألمانية :
قرر هايل عبد الحميد السفر إلى ألمانيا لإكمال دراسته الجامعية والعمل هناك كي يخفف عن عمه عبء نفقات دراسته الجامعية في دمشق وذلك في العام 1961م ، وكان يرى أن الدراسة هي فرصة للاعتماد على الذات والتعرف على نمط تفكير الغرب واكتساب خبرة مفيدة تساعده على ابتكار وسائل جديدة تعينه على متابعة كفاحه من أجل فلسطين ، بعد أن حصل على القبول في الجامعة بألمانيا انتقل هناك ليدرس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة فرانكفورت ، ولم يضيع وقته فقد عمل ليلاً في مصنع للحلويات ، وفي النهار كان يذهب إلى الجامعة ويواصل نشاطه السياسي في تنظيم العمال والطلاب الفلسطيني حيث أسس اتحاد عمال فلسطين ، كما أسس اتحاد طلاب فلسطين في ألمانيا والذي كان يسمى ( كونفدرالية ألمانيا والنمسا ) والذي انضم إليه كل من الأخوة ( هاني الحسن ، عبد الله الإفرنجي ، أمين الهندي ) ، وخلال اجتماع للاتحاد العام لطلبة فلسطين أعلن تبنيه الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لتحرير فلسطين ، وهو ذات المبدأ الذي رفعته حركة فتح والذي انضموا إليها جميعاً في عام 1963م ، لقد شكل هايل عبد الحميد مرآة للمعاناة الفلسطينية والوضع الفلسطيني وكان يعيش الحالة الفلسطينية بكل كيانه وفي داخل نفسه كلها ، ولما كان صادقاً مع نفسه ، فقد كان هايل صادقاً مع إحساسه بأن الفلسطينيين لن يتحرروا إلا إذا اعتمدوا على أنفسهم ومارسوا الكفاح المسلح ، وبهذا تلاقى هايل عبد الحميد مع مفاهيم حركة فتح .
أصبح العمل الوطني يستأثر كل جهده وعلى حساب دراسته الجامعية .
عقد المؤتمر الثالث لاتحاد طلاب فلسطين في غزة عام 1963 :
عام 1963م تم عقد المؤتمر الثالث لاتحاد طلاب فلسطين حيث توجه واحد وعشرون ممثلاً لفروع اتحاد طلبة فلسطين في أوروبا إلى قطاع غزة لحضور المؤتمر الثالث للاتحاد ، كان هايل عبد الحميد ، وهاني الحسن ، وأمين الهندي من بينهم ، انعقد المؤتمر في جو توازنت فيه القوى الحزبية من القوميين العرب والبعثيين .
كان هايل عبد الحميد يعرف معظم القيادات الطلابية القادمة إلى المؤتمر من خارج قطاع غزة ، واستطاع بسرعة مذهلة أن يعقد تحالفات واسعة أدت إلى انتخاب هاني الحسن رئيساً للمؤتمر الذي افتتحه السيد/كمال رفعت ممثلاً للرئيس / جمال عبد الناصر وبحضور جمهور غفير من طلاب قطاع غزة والأهل الذين جاؤوا من كل صوب وحدب ، في هذا المؤتمر يقف الشاب هايل عبد الحميد في القاعة ليقول بأعلى صوته ( أخي رئيس المؤتمر إلى متى سيصبر اللاجئون على منعهم من حمل السلاح؟ وإلى متى سيبقى خليج العقبة مفتوحاً بوجه الملاحة الإسرائيلية ؟ وإلى متى سيبقى الفلسطيني ممنوعاً من حرية التنقل؟ إننا هنا لبحث مستقبل الوطن ، وليس مستقبل الطلبة ) .
في هذا المؤتمر تم انتخاب هايل عبد الحميد عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد ومسؤولاً عن العلاقات الداخلية ، وقد أقر المؤتمر مبدأ الكفاح المسلح كطريق للعودة ، حيث كان الأهل معتزين بأبنائهم الطلبة الجامعيين متلهفين لسماع صوتهم المتمسك بالوطن .
الانتقال إلى الساحة المصرية :
انتقل هايل عبد الحميد عام 1963م من ساحة العمل الوطني الفلسطيني في ألمانيا إلى ساحة أخرى أوسع وأشد تعقيداً وأكبر مسؤولية وأبعد أفقاً .
لقد عمل هايل عبد الحميد من 1963-1965م في قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين حيث كان له الفضل الكبير في تطوير هذا الاتحاد وجعله واحداً من أنشط مؤسسات الثورة وقواها الطليعية.
كلف هايل عبد الحميد بعد الوصول إلى القاهرة بمهمة بناء تنظيم لحركة فتح في مصر التي كانت تحتضن تنظيمات عديدة وتستهوي أفئدة الشباب مثل حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي بشعاراته وتنظيمات فلسطينية واعدة ، إلا أن هايل ببساطته وطول خبرته وتجربته في هذا المجال استطاع استقطاب أعمدة قوية من الشباب ليقوم على أيديها بناء تنظيمي صلب ودون استعداء السلطة المصرية والأحزاب القومية العاملة في الساحة المصرية والقريبة من الزعيم / جمال عبد الناصر.
شغل هايل إلى جانب مهمته التنظيمية منصب نائب رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين لشؤون الإعلام ، وكان هذا القائد يمارس نشاطه التنظيمي والنقابي من خلال مقهى في شارع سليمان باشا ( طلعت حرب ) وقد أصبح هايل يحمل اسم ( أبو الهول ) كاسم حركي حتى تاريخ استشهاده .
جاب هايل عبد الحميد كل محافظات مصر ليلتقي بالتجمعات الطلابية ويناقشهم ويدعوهم إلى الانضمام إلى حركة فتح وأمضى أيام عديدة مع الطلاب المقيمين في مدينة البحوث الإسلامية لمناقشتهم ، تمكن هايل من إنشاء خلايا تنظيمية في أوساط العمال والطلبة الفلسطينيين .
في انتخابات المؤتمر العام الرابع للاتحاد الذي عقد في القاهرة دخل الانتخابات بقائمة من المستقلين الذين نجحوا جميعاً ليتبين بعد ذلك أن الغالبية العظمى منهم ينتمون لحركة فتح ، كما عمل على فتح قنوات مع عدد من المسؤولين والصحفيين المصريين الذين ساعدوا فيما بعد على إنشاء علاقات رسمية بين مصر وحركة فتح ، وكان هايل سعيداً جداً وراضياً نفسياً بما نجح في تحقيقه .
أصبح هايل عبد الحميد معتمداً رسمياً لحركة فتح في القاهرة بعد هزيمة حزيران عام 1967م وذلك بعد إقامة العلاقات الرسمية بين الحركة ومصر .
من خلال وجود هايل عبد الحميد كمعتمد لحركة فتح في مصر استثمر علاقاته مع السلطات المصرية في خدمة حركة فتح وأمد قوات الثورة في الأردن بما يلزمها من سلاح وتدريب ومساندة معلوماتية من قبل السلطات المصرية .
في العاشر من نيسان عام 1968م وعند زيارة الأخ / أبو عمار إلى القاهرة وبحضور كل من هايل عبد الحميد معتمد الحركة في مصر وفؤاد ياسين الأكاديمي اللامع ثم طرح موضوع إنشاء صوت الثورة الفلسطينية ليعبر عن رأيها حتى يصل إلى آذان العالم وضميره ، فقد كان لأبو الهول الدور الأساس في إنجاح هذا الإنجاز الذي تحقق بانطلاقة صوت العاصفة عشية يوم 11/5/1968م حيث وضع كافة الإمكانيات والتسهيلات اللازمة وسخر علاقاته مع السلطات المصرية لإنجاز المطلوب في أقصر مدة من الزمن .
ساهم هايل عبد الحميد في إزالة سوء الفهم بين حركة فتح والرئيس / جمال عبد الناصر بعد قبول مصر مشروع روجرز .
الساحة اللبنانية :
عام 1972م نقل هايل عبد الحميد من الساحة المصرية إلى الساحة اللبنانية وعين معتمد حركة فتح في لبنان ، وبعد استشهاد القادة الثلاثة في عملية فردان عام 1973م ، تم تعيين هايل عبد الحميد عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح وكذلك أسندت إليه مهمة مفوض جهاز الأمن والمعلومات ، حيث كرس ” أبو الهول ” وقته وجهده وتفكيره لتطوير الجهاز بما يتلاءم مع الإمكانيات المتاحة وليكون قادراً على العمل في مواجهة الأعداء مستعيناً في ذلك بعدد من الكوادر القادرة على الإبداع والابتكار ، وقد اختار القائد / أبو الهول أسلوب عمل يتكيف مع قدرات جهازه وهو الأمن من خلال التنظيم المدعوم جماهيرياً وهذا يتطلب بناء الثقة بين الطرفين ، ومن اجل تعزيز هذا الجهاز بدأ في عام 1974م بتدريب كوادر الجهاز في دورات أمنية متنوعة بالخارج و للتأكيد على أهمية التدريب أنشأ عام 1977م مدرسة للأمن تابعة للجهاز لتزويد الكوادر بالمعرفة المخابراتية .
كان الدور الأمني لأبي الهول دوراً شعبياً وليس بسيطاً أن نقول عن مسؤول أمني أنه يضطلع بدور شعبي ، فالأجهزة الأمنية في العادة لا ” شعبية ” لها ويعود ذكرها في معرض الشكاية منها على الصعيد الشعبي .
لقد ساهم جهاز الأمن والمعلومات باختراق بعض الأجهزة المعادية للثورة الفلسطينية على الساحة اللبنانية وكذلك كشف الكثيرين من المتعاونين والجواسيس الذين تم تجنيدهم من قبل جهاز الموساد الصهيوني ، وساهم كذلك في حماية الثورة وشعبنا الفلسطيني في مخيماته .
سمي القائد / أبو الهول مفوض للأمن ولكن لم يقطع الجذور الشعبي لتجربته فأتى بها وبحصيلتها إلى الساحة اللبنانية ، وهذه التجربة حافظت على طابعها الشعبي على الرغم أن الصفة التنفيذية الغالبة عليها أصبحت الصفة الأمنية ، وهذا أمر بالغ الأهمية في تجربتنا الفلسطينية – اللبنانية .
أثناء الحصار والصمود في بيروت عام 1982م خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان ترأس القائد / أبو الهول اللجنة الأمنية المشتركة للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية طوال أيام الحصار ، وقاد بجدارة وكفاءة وشجاعة خاصة بعد أن أطبق علينا الحصار وكان الاجتياح قد شمل ضواحي بيروت وأصبحنا ضمن المربع الأضيق في الداخل ولذا أن نتصور ما معنى حفظ الأمن في مربع بهذا الضيق تحتشد فيه هذه الكمية الكبيرة من المواطنين والمقاتلين وحملة البنادق .
الخروج من بيروت والانشقاق :
بعد الخروج من بيروت انتقلت القيادة إلى تونس الشقيقة ، قصد أبو الهول دمشق حيث افتتح له مكتباً في دمشق وقد انغمس في الحوارات المضنية التي دارت بين القيادتين الفلسطينية والسورية في ضوء الخلافات التي أدت إلى انهيار العلاقات بين الجانبين في نهاية المطاف .
لقد كان أبو الهول صبوراً ، جلداً ، أمام المآسي ، حريصاً على سد الثغرات التي تكاثرت حتى صارت خرقاً غير قابلة للترق ، وتمتزج الخلافات مع السوريين بالخلافات مع الذين انتهوا من الانشقاق عن حركة فتح ، وتكثر الأعباء على أبو الهول ، ويتوجب عليه أن يعمل في أكثر من اتجاه معقد ، فعليه أن يصوب جسم حركة فتح ضد الانشقاق ، وعليه أن يتجنب وضع أي مسوغ في يد الخصوم ومؤيديهم ليشددوا هجومهم على الثورة ، وعليه أن يواصل السعي للاحتفاظ بعلاقة موضوعية مع القيادة السورية ، وعليه في نفس الوقت أن يتابع مهامه المألوفة العديدة .
كان أبو الهول صاحب رأي وموقف يجمعان العزيمة والشجاعة وينطلقان من نفس حرة أبية متمردة على كل قيد وطامحة إلى التحرر والتحرير من العبودية أو محاورات الاستعباد والتبعية .
كان أبو الهول صاحب مبادرة .. يمسك بزمامها ويمضي بها إلى آخرها .
عندما دب الخلاف بين القيادة السورية والأخ / أبو عمار جرى استدعاء أبو الهول من قبل الأمن السوري وطلب إليه إقفال مكتبه والامتناع عن القيام بأي نشاط أو اتصال وهنا كان لا بد من مغادرة دمشق .
جاء أبو الهول إلى طرابلس رغم حواجز المنشقين والقوات السورية لأنه أراد أن يكون حيث يتهدد الخطر ثورة شعبه ، كان بإمكان القائد الذي غادر دمشق أن يتوجه إلى أي مكان آخر لكنه آثر المجيء إلى طرابلس ليخوض معركة الدفاع عن الثورة والشرعية ضد من أعدوا للحصار ، وبالرغم من أنه بقي حتى آخر لحظة يتمنى أن لا تقع هذه المعركة .
حوصر القائد / أبو الهول مع القائد / أبو عمار والقائد / أبو جهاد وأعضاء القيادة العسكرية للثورة الفلسطينية في طرابلس من قبل المنشقين والقوات السورية حليفتهم حتى تاريخ 19 ديسمبر 1983م حين تقرر المغادرة عن مدينة طرابلس اللبنانية وانسحاب القوات بحراً إلى تونس .
صفاته :
هايل عبد الحميد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض جهاز الأمن والمعلومات ومن خيرة رجالاتها الذين واكبوا التأسيس ، فاجتمعت فيه صفات القيادة والقدرة على قراءة الحدث والتخطيط ، وهو فوق كل ذلك إنسان بكل معنى الكلمة ، طغت عليه البساطة وطيبة القلب عن وعي وإدراك ، مضافاً لذلك الحس الأمني العميق الذي سخره لحماية حركة فتح والثورة والدفاع عنها ، كان أبو الهول يمتاز بأخلاقه الرفيعة وصداقته للجميع وعطاءه المميز وهدوئه الملفت وحنكته وصبره وحبه للمساعدة وتقديره ظروف الآخرين .
ما جذب الناس إلى القائد / أبو الهول عدا تواضعه ودفء قلبه وعينيه اللتين تلمعان هو تبنيه لقضاياهم والدفاع عنهم ، ولذلك كانت مشاعر الناس من حوله شحنة هائلة له ، تجعله يشعر بتفاؤل هائل وبقدره منه لا يمض عليه شيء تقرر إنجازه .
عاش القائد / أبو الهول حياته بعيداً عن الدعاية ومزاحمة الآخرين في الأضواء ، حتى أنه كان يرفض وبشدة استخدام وسائل الإعلام لإثبات وجوده ، وهذا الذي يفسر لنا كون إنجازاته الرفيعة المستوى لا يدري بتفاصيلها ونسبتها إليه إلا اللصيقون به والقلة المتابعة للأحداث .
حقاً لقد كان القائد / أبو الهول قائداً طلائعياً من الطراز الأول ومن يستطيع أن ينكر ذلك ، أبو الهول عاش حياة شخصية متقشفة وحرم نفسه كإنسان من أشياء كثيرة يتمتع بها نظراؤه ، دون أن يؤاخذهم أحد ، ولم يكن أبو الهول يسمح للرغبات الشخصية أو النزوات بأن تؤثر على حياته ، لقد كرس حياته للهم الوطني وحده وطوع كل شيء في حياته لمتطلبات النشاط العام .
شارك القائد / هايل عبد الحميد في الحوارات مع التنظيمات الفلسطينية عام 1984م في كل من عدن والجزائر وبراغ ، فتشكل وفد حوار من حركة فتح ضم القائدين صلاح خلف و هايل عبد الحميد ، ذهبا إلى الجزائر في يناير 1984م حيث التقيا بعدد من قيادات الجبهتين الشعبية والديمقراطية وعلى رأسهم الرفيق جورج حبش والرفيق نايف حواتمة ، وقد تواصل الحوار الوحدوي لمدة ليست بالقصيرة ، والذي لعب دوراً كبيراً في الوصول إلى اتفاق رسمي في ذلك الوقت ” اتفاق عدن – الجزائر ” وذلك تمهيداً لانعقاد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان نهاية العام 1984م .
من أقوال القائد أبو الهول :
( علينا جميعاً أن نعلم أنه ليس هناك فراغ في هذا الكون ، فالحيز الذي نتركه فارغاً من غير أن نملأه ، يجيء غيرك ويملؤه ، وربما على نحو مضاد مما يقتضيك جهداً مضاعفاً لإزاحة الخصم أو فعله من ذلك الحيز أولاً ومن ثم يملئه ) ..
استلام مسؤولية شؤون الأرض المحتلة :
بعد اغتيال القائد الشهيد / أبو جهاد تسلم القائد / أبو الهول مسؤولية القطاع الغربي المسؤول عن شؤون الأرض المحتلة بمشاركة بعض أعضاء اللجنة المركزية للحركة ، وكانت هذه المهمة شاقة وصعبة للغاية لأنها تتطلب الإحاطة الكاملة بما يدور في الداخل ومعرفة واسعة ممن سيتعامل معهم واكتساب الثقة بين الطرفين ، ولخطورة هذا العمل وتربص جهاز الموساد الإسرائيلي لكل من يطلع بهذه المهمة ومن يساعد على إنجاز مهامها فقد اعتمد أسلوباً مرناً في قيادته وهو استمرار العمل بالنظام القديم والقيام بتطويره وإمداده بالكوادر الجيدة أصحاب الخبرة والموثوق بهم ، ثم عمل على تشكيل لجنة موسعة لقيادة العمل ضمت عدداً كبيراً من الكوادر الواعية الحريصة على أداء رسالتها في سرية تامة .
وكان أبو الهول يرى أن تنظيم حركة فتح في الأرض المحتلة هو الضمان الأكيد لاستمرار الانتفاضة الأولى وتطويرها ، لذلك عمل على قيادة القطاع الغربي من مركز القيادة ووحد العمل بين الضفة وقطاع غزة ، وألغى اللجان المتعددة ورفع شعار وحدة حركة فتح في الأرض المحتلة .
بعد عدة اجتماعات متواصلة عام 1990م والتي عقدت في بغداد قام بجمع شمل الجهاز وإصلاحه وإعادة بناءه حيث كان هذا القائد حريصاً بالسير بالعمل التنظيمي جنباً إلى جنب مع العمل العسكري وبعيداً عن الضجيج الإعلامي ، هكذا نجح القائد / أبو الهول في إغلاق جميع الدكاكين المتعددة للقطاع الغربي ، وصهرها في بوتقة واحدة وجعلها قناة مركزية واحدة تجمع الأمن والغربي والتنظيم في جسد موحد ، وامتد عمله الوطني إلى ترتيب الأوضاع في المعسكرات المنتشرة في بغداد وصنعاء والجزائر وليبيا .
منذ تسلم القائد أبو الهول مهام مفوض شؤون الأرض المحتلة وهو يعلم أن جهاز الموساد الإسرائيلي سوف يتتبعه حتى ينال منه ، لأن هذا القطاع يشكل خطورة متناهية على الأمن الإسرائيلي ويسبب له قلقاً وإزعاجاً شديدين .
الاغتيـــــال :
في مساء الرابع عشر من شهر يناير عام 1991م كان القائد / هايل عبد الحميد يستقبل في منزله الكائن في حي المرسي قرطاج في تونس صديقه ورفيق دربه القائد / صلاح خلف ” أبو إياد ” وبرفقته أبو محمد العمري ، كان في الخارج حارس أبو الهول ويدعى / حمزة أبو زيد البالغ من العمر 27 سنة من قرية السافرية بفلسطين ، تقدم القاتل إلى الفيلا من خلال الممر الضيق وقرع الجرس ففتحت له الخادمة التي تعرفه ويتوجه إلى حجرة الصالون فيفتح الباب ليجد القادة الثلاثة أمامه جالسين ثم يرفع سلاحه ويوجهه مباشرة إلى القائد / صلاح خلف المستهدف الأول ويطلق عليه الرصاص بغزارة فيرديه قتيلاً ثم يطلق الرصاص على فخري العمري الذي ارتمى على أبو إياد ليحميه وأمام المفاجأة المذهلة يحاول القائد / أبو الهول إخراج مسدسه فيطلق عليه القاتل المجرم النار ويحاول النهوض والدماء تنزف منه بغزارة ويتجه إلى باب الفيلا ويخرج صائحاً قتلنا الجاسوس ، ثم يسقط متخبطاً بدمائه وتنقله سيارة الإسعاف إلى أحد المستشفيات التونسية ليلفظ أنفاسه الأخيرة.
جاءت عملية اغتيال القادة الثلاثة في وقت عصيب فقد كان الجميع منشغلاً بما يحدث من تداعيات في دولة الكويت الشقيق حيث بدأت بعد ذلك بيومين حرب الخليج الأولى .
رحل الفلسطيني البسيط ( أبو رضا ) بعد أن استطاع رغم المطاردة والتعب أن يكون ما أراد ، فنجح أن يكون مقاتلاً حتى النهاية ، وسقط في ميدان المعركة رافعاً راية شعبه ، راية الحرية والاستقلال .
هكذا يسدل الستار عن استشهاد القائد الوطني الكبير / هايل رضا عبد الحميد ( أبو الهول ) الذي عاش منذ طفولته لقضيته واستشهد من أجل وطنه وعيناه ترنوا إلى مهد طفولته في مدينة صفد ، غاب عنا هذا القائد وطويت صفحات جهاده ، وبقي القتلة الحقيقيون مجهولون !!!
فنم قرير العين أيها القائد الشهيد / أبو الهول ، فكم من رفاقك الذين سبقوك في الشهادة قد غابوا عن ذاكرتنا ، وأصبحت أجسادهم تراباً .
فليرحمك الله وليجزيك عن أعمالك خير الجزاء وليسكنك الله فسيح جنانه إلى جوار النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .
فلتطمئن يا ( أبا رضا ) يا شهيدنا القائد أن الذين أحبوك عاهدوك على المضي قدماً في الطريق الذي اخترته حتى ينالوا أحد الحسنيين إما الشهادة أو النصر بإذن الله تعالى .
هذا وقد منح السيد الرئيس / محمود عباس ( أبو مازن ) الشهيد القائد / هايل عبد الحميد ” أبو الهول ” وسام نجمة الشرف من الدرجة الأولى حيث تسلمت هذا الوسام زوجته السيدة / نادرة الشخشير .