بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
جلال محمد كعوش هو أول شهيد للثورة الفلسطينية وحركة فتح سقط فوق الأراضي اللبنانية شهيداً بتاريخ 9/1/1966م في أقبية المخابرات اللبنانية ( المكتب الثاني ) من جراء التعذيب القاسي والوحشي الذي تعرض له بعد عودته من تنفيذ عملية داخل الأرض المحتلة ، حيث آمن شهيدنا جلال كعوش أن الكفاح المسلح والعمل الفدائي هما الأسلوب والطريق الوحيد لتحرير الأرض المحتلة .
ولد / جلال محمد كعوش في قرية ميرون قضاء صفد عام 1924م وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية وعندما حلت نكبة عام 1948م وتشريد أهلنا من ديارهم هاجرت أسرته إلى مخيم عين الحلوة حيث استقروا هناك وترعرع في أسرة وطنية .
كان هاجس جلال كعوش الأول كيف يمكنه التدرب على السلاح والقيام بعمليات داخل الأرض المحتلة .
اعتقل جلال محمد كعوش من قبل السلطات اللبنانية عام 1957م لإقدامه على نسف السفارة الفرنسية في بيروت انتقاماً من الجرائم الفرنسية بالجزائر ، وقضت إحدى المحاكم اللبنانية بسجنه لمدة ( 15 عاماً ) ، لكنه نجح في الهرب من سجن بعلبك أثناء الثورة الوطنية اللبنانية عام 1958م ، بعدها توجه إلى سوريا حيث التحق بالعمل في البداية ضمن تشكيل كتيبة الفدائيين (68) التي شكلتها الحكومة السورية ضمن مرتبات الجيش السوري ، هذه الكتيبة هي كتيبة الاستطلاع والعمل الفدائي الخارجي في الأرض المحتلة ، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان قوامها الأساس بالتواصل مع أعضاء مقيمين في الجليل الفلسطيني داخل الأرض المحتلة ، كانت هذه الكتيبة برئاسة العقيد السوري أكرم الصفدي ، والمقدم الهيثم الأيوبي وكذلك النقيب وقتذاك/أحمد حجو وآخرين ، حيث اتخذت هذه الكتيبة من بستان بلدة حرستا بضواحي دمشق مقراً لقيادتها ، إضافة إلى قوات أخرى ميدانية تمركزت على جبهة الجولان وجنوب لبنان ، كلفت الكتيبة بتنفيذ عمليات الاستطلاع وغيرها شمال فلسطين ، حيث نفذت عملية عسكرية وهي نسف باص على الطريق بين صفد وعكا ، وكان المنفذون هم / جلال كعوش وعلي الخربوش .
عاد جلال كعوش مع بعض المسلحين وانضموا جميعاً في صيدا إلى حركة فتح عند انطلاقتها حيث آمن أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ، وغدا جلال كعوش القائد العسكري لهذه المنطقة .
لقد كان نهاية العام 1965 و بداية العام 1966م أعوام تصعيد للعمليات الفدائية ضد العدو الصهيوني انطلاقاً من الجنوب اللبناني ، فقد شهد ذلك العام عدداً من العمليات الفدائية التي حاولت المخابرات اللبنانية ( المكتب الثاني ) منعها .
كان جلال كعوش أحد كوادر قوات العاصفة وهو من مخيم عين الحلوة ويشرف على الدوريات المنطلقة إلى الأرض المحتلة وكثيراً ما كان يشارك بالنزول مع هذه الدوريات ، وبتاريخ 23/12/1965م وأثناء عودته من تنفيذ عملية داخل الأرض المحتلة اعترضتهم دورية تابعة للمخابرات اللبنانية ( المكتب الثاني ) وتمكنت من اعتقال جلال كعوش وأودعته في زنازين المخابرات ، حيث تعرض لتعذيب قاسي أدى إلى استشهاده داخل الزنزانة بتاريخ 9/1/1966م في أقبية المخابرات اللبنانية في منطقة اليرزة ، حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية ، فكان جلال كعوش أول شهيد فلسطيني من قوات العاصفة يسقط على الأراضي اللبنانية ، وبالأسلوب نفسه تم اعتقال / عطا أحمد الدحابرة بعد عودته من تنفيذ عملية فدائية وهو من سكان مخيم عين الحلوة أيضاً حيث استشهد تحت التعذيب وبنفس الطريقة .
قام عناصر المكتب الثاني اللبناني بتسليم بلاغ لعائلة جلال كعوش يفيد بمقتله أثناء التحقيق معه بقضية تتعلق بأمن الدولة ، وأثناء التحقيق معه حاول الهروب والقفز من نافذة غرفة التحقيق محاولاً الفرار ، فأطلقت عليه النار فأصيب بجراح انتهت بوفاته بعد ثلاثة أيام ، كانت هذه رواية المكتب الثاني اللبناني عن الشهيد ، إلا أن الكشف الطبي أثبت أنه توفي نتيجة لتعرضه لتعذيب قاسي أدى لاستشهاده ، وكانت مظاهر التعذيب واضحة على جثة الشهيد حيث كانت أجزاء من جسده ممزقة كما ظهرت بقع حرق السجائر فوق صدره وفي وجهه وبقع عديدة وكبيرة زرقاء اللون ، وكذلك أثبت الكشف الطبي تعرضه لكدمات عنيفة كانت السبب في نزيف حاد عجز الأطباء عن السيطرة عليه مما تسبب في وفاته .
كان شهيد فلسطين وحركة فتح وقوات العاصفة الأول فوق الأراضي اللبنانية ، وبتاريخ 10/1/1966م تم تشييع الشهيد / جلال كعوش في موكب مهيب في مدينة صيدا ودفن في مقبرتها ، وعلى أثر ذلك فقد شهد لبنان على مدى شهر كامل مظاهرات عارمة شارك فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين في كل من بيروت وصيدا وطرابلس نددوا بجريمة القتل والاغتيال ، وطالبوا الحكومة اللبنانية بإعادة تشريح جثة الشهيد جلال كعوش والتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق مناضل يقاوم العدو داخل الأرض المحتلة .
وقد شهدت تلك المظاهرات مصادمات عنيفة مع قوى الأمن والجيش اللبناني سقط أثناءها العديد من الجرحى من الفلسطينيين واللبنانيين .
الشهيد/ جلال كعوش متزوج وله من الأبناء إحدى عشر وهم ” فاروق ، رفيق ، محمد ، أحمد ، فريد ، زهير ، فريال ، فريدة ، رفيقة ، زهرة ، فاتن ” .
سيبقى تاريخ استشهاد المناضل جلال محمد كعوش 9/1/1966م علامة مضيئة في تاريخ ثورتنا الفلسطينية وستبقى ذكراه خالدة في قلوبنا وعقولنا بإذن الله تعالى .
جلال كعوش ناضل في زمن عز فيه الرجال ….
لقد خلقت أكتاف الرجال لحمل السلاح … إما عظماء فوق الأرض … أو عظاماً شرفاء تحت الأرض ( كما قال الشهيد غسان كنفاني ) .
سيبقى رجال الفتح شامخين كالجبال لا يعرفون سوى العزة والكرامة .
لقد نلت السبق يا شهيدنا البطل جلال كعوش حيث إنه لا شيء يعود كما كان فما بين الحضور والغياب ينكسر شيء فينا .
رحمك الله يا شهينا البطل / جلال كعوش وأسكنك فسيح جناته
مع النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً