بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد صبحي على أبو كرش في مدينة غزة هاشم بتاريخ 16/7/1936م لعائلة غزية من منطقة الشجاعية, تلقي دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارسها وأنهي دراسته الثانوية من مدرسة فلسطين الثانوية, كان الطالب صبحي أبو كرش ذكياً لمَّاحاً يميل إلى الصمت ويحسن الاستماع كريم النفس وعف اللسان عاش في أسرة متوسطة الحال، سافر إلى العربية السعودية للعمل بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1958م حيث تعاقد للعمل مدرساً, وهناك أكمل دراسته الجامعية التي حالت ظروفه المادية سابقاً دون تحقيقها حيث انتسب إلى جامعة الملك سعود, كلية التجارة وحصل منها على بكالوريوس تجارة تخصص إدارة أعمال, عمل محاسباً في وزارة الزراعة السعودية.
شارك أبو المنذر في العمل السري منذ عام 1959م في المنطقة الشرقية من السعودية وكان من المؤسسين لحركة فتح عند الانطلاقة عام 1965م.
يعتبر أبو المنذر من الرعيل الأول في حركة فتح فقد أنضم إلى الحركة أثناء عمله في العربية السعودية عام 1963م, وساهم في نشر مفاهيم الحركة وتوجهاتها بين صفوف الجالية الفلسطينية في السعودية، بعد أن آمن بأن الطريق إلى فلسطين لا يكون إلا بالكفاح المسلح الذي يجب أن يضطلع به أبناء فلسطين ويؤازرهم أبناء الأمة الإسلامية والعربية.
ساهم مع أخوانه الناشطين والأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في تأسيس لجنة مساعدة مجاهدي فلسطين رداً على الشعارات الصهيونية في تلك الفترة أدفع دولار تقتل عربياً.
بعد نكسة حزيران عام 1967م انهارت الشعارات الكاذبة والإعلام المضلل لذا قرر أبو المنذر ترك المملكة العربية السعودية والتفرغ للعمل في الحركة وتكريس كل جهده للنشاطات التورية وكان له ما أراد حيث تفرغ للعمل عام 1968م.
تولي أبو المنذر مسؤوليات عسكرية وتنظيمية وسياسية عديدة سواء في الأردن أو سوريا أو لبنان, منها الإدارة العسكرية في درعاً عام 1971م, وعضو لجنة الرقابة المالية للحركة عام 69-1970م وعضو المجلس المالي للحركة عام 1970م.
شارك أبو المنذر كعضو في المؤتمر الثالث للحركة الذي عقد في شهر سبتمبر عام 1971م في سوريا, بعدها عمل مسؤولاً للمالية في إقليم لبنان في عام 1971م.
أصبح أبو المنذر عضواً في قيادة جهاز الأرض المحتلة الذي تسلمه القائد/ كمال عدوان.
تولي مسؤولية الإدارة المالية لجهاز الأرض المحتلة مع القائد كمال عدوان ما بين عامي 1972-1973م, عمل بعدها مسؤولاً للجنة غزة في القطاع الغربي مع القائد أبو جهاد وذلك بعد استشهاد القائد/ كمال عدوان وكان معه في اللجنة رفيق نضاله ناهض الريس.
كان أبو المنذر مثالاً للدقة والأمانة والنزاهة في تحمل المسؤولية.
انتخب أبو المنذر عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الرابع للحركة الذي عقد في شهر مايو 1980م في مدينة أبناء الشهداء بدمشق, شارك أبو المنذر في المؤتمر العام الخامس للحركة الذي عقد في تونس عام 1989م حيث جري انتخابة عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح.
تولى أبو المنذر مسؤولية مهام سفير دولة فلسطين في المملكة العربية السعودية ومندوب دائم لفلسطين لدي منظمة المؤتمر الإسلامي وذلك عام 1990م، رغم الأزمة الطويلة والحادة بين منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة العربية السعودية منذ حرب الخليج وغزو العراق للكويت، حيث دأبت حركة فتح على إعطاء مكانة مهمة لعلاقاتها مع دول الخليج العربي ولا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وخاصة لما لهما من أياد بيضاء على الثورة الفلسطينية وما قدمتاه مع دولة الخليج الأخرى من دعم مالي ومعنوي ساهم إلى درجة كبيرة في تأمين المسيرة الثورية الفلسطينية واستمرارية صمود وثبات شعب فلسطين على أرضه.
أصبح أبو المنذر عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني وكذلك المجلس المركزي.
كان أبو المنذر حقاً رجل مبادئ والتزام وانضباط, كان رجلاً صلباً عنيداً مستقيماً إلى جانب الحق, وفي مواجهة الظلم والظالمين في أي موقع ومن هنا فقد اكتسب محبة الكوادر الحركية ونال تأييدهم وحظي بثقتهم، ولم تكن في يوم من الأيام تغريه المناصب ولا الألقاب هكذا كان أبو المنذر عندما التحق بحركة فتح من البدايات وهكذا كان عندما تفرغ للعمل في مواقع متعددة في أجهزة الحركة وهكذا استمر وواضب على سلوكه، كان أبو المنذر دمث الأخلاق صريحاً مباشراً في طرحه للأمور دون تزويق أو نفاق، كانت هذه طريقته في النقاش سواء كان ذلك مع الكوادر الصغيرة أو الكبيرة أو مع زملاؤه أو من هم أعلى مسئولية منه.
لقد كان أبو المنذر الرجل والإنسان والقائد مثلاً يحتذى به خلقاً وتديناً ووطنية، وكان أستاذاً في فن التضحية والعطاء والتفاني في حب الوطن.
كان رحمه الله فريداً في مميزاته التي تنم عن الصدق والتعامل والأخلاق الحميدة في كل شيء فلا يداهن ولا يساوم، فكل شيء لديه مبدأي ويجب التعاطي معه بمبدئية والاستناد إلى المبادئ في كل الحلول المطروحة للمشاكل في العمل النضالي، وقد تسببت هذه الصفات الحميدة بمتاعب كثيرة في سيرته النضالية الطويلة.
من أقوال أبو المنذر:
(أن الحل الديمقراطي هو الأساس خيار ثوري وحضاري وهو قيمة معيارية نحتكم إليها).
لقد تسلل المرض إليه رويداً رويداً ولما شعر بدنو الأجل أوصى بدفنه في مقبرة البقيع في المدينة، حيث فاضت روحه الطاهرة في الرابع من يناير عام 1994م بعد أن أصيب بمرض عضال, ووري جثمانه الثري في مقابر البقيع في المدينة المنورة بالسعودية، هكذا شاء القدر أن يسيح في الأرض لحوالي أربعة عقود ثم يموت شريداً غريباً عن وطنه ودون أن يتحقق له حلم في العودة إلى مسقط رأسه غزة هاشم.
رحمك الله يا أبا المنذر, الصادق الأمين, ومع الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.
هذا وقد منح السيد الرئيس/ محمود عباس وسام نجمه الشرف من الدرجة العليا للمرحوم/ صبحي على أبو كرش (أبو المنذر) تقديراً لدورة الوطني والنضالي.