بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد يحيى حبش ” صخر ابو نزار” في قرية بيت دجن بالقرب من مدينة يافا بتاريخ 10/11/1939 وعندما حلت النكبة بالشعب الفلسطيني عام 1948 هُجر من قريته مع عائلته فوصل إلي مدينة رام الله ثم انتقل للعيش في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في محافظة نابلس ,انتقل في نهاية الخمسينات بعد الانتهاء من حصوله على الثانوية العامة إلى القاهرة حيث درس فيها الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة عين شمس حيث حصل على شهادة البكالوريس , وبعدها سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على شهادة الماجستير في الهندسة الجيولوجية من جامعة أريزونا عام 1964 , عاد بعدها إلى الأردن حيث عمل مسؤولاً لسلطة المصادر الطبيعية فيها .
وفي أوائل الستينات من القرن الماضي التحق يحيى حبش بحركة فتح في الأردن عن طريق مهندس البترول / حسني يونس (أبو خالد الصين) حيث نظم على يديه .
وبعد هزيمة حزيران عام 1967 م وإحتلال ماتبقى من أرض فلسطين وبعض الأراضي العربية وبدلاً من أن تخمد هذه الهزيمة أنفاس الشعب الفلسطيني أشتعلت جذوته , وحركت مشاعر قوته وعزيمته , فأشتعلت ثورة , ونهضت على أكتافهم مقاومة مسلحة , حيث تفجرت كبركان من الغضب , فأنخرط في هذه الثورة الآلاف من الشباب الفلسطيني .
عمل الأخ/ صخر على تأسيس مؤسسة الأشبال والزهرات عام 1968 م وكان في ذلك الوقت عضو في لجنة إقليم الأردن وشارك في تأسيس صوت فلسطين في الأردن والمعروف بإسم زمزم (105) , بعد احداث أيلول الأسود عام 1970م في الأردن , انتقل إلى الساحة اللبنانية حيث تقلد مواقع قيادية وفي تشرين أول من عام 1973م تولى قيادة اقليم لبنان .
أنتخب في المؤتمر الثالث الذي عقد في حموريا عام 1971م عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح . وفي المؤتمر الرابع الذي عقد في مدينة ابناء الشهداء في عذرا عام 1980م عين أميناً لسر المجلس الثوري لحركة فتح وتم انتخابه عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر الخامس الذي عقد في تونس عام 1989م وأصبح مفوضا للشؤون الفكرية والدراسات في الحركة حتى تاريخ عودته للوطن عام 1994م .
بقى الاخ صخر حبش عضواً في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني حتى وفاته .
صخر أبو نزار عضو اللجنة المركزية كان مناضلاً مثقفاً شاعراً مرهف الحس , واقعياً فهم طبيعة النضال بعقله وأدرك منذ البداية أن العدو الصهيوني ليس قوة بذاته , بقدر ماهو أداة بيد غيره . في المؤتمر السادس الذي عقد في مدينة بيت لحم 2009م اعتذر عن ترشيح نفسه لعضوية اللجنة المركزية بسبب مرضه الذي لم يمهله طويلاً .
لقد كان صخر أبو نزار فتحاوياً حتى النخاع فهم مقاصد الحركة منذ البدايات وأهدافها ووسائلها وشاراتها , وكان انتمائه لها صادقاً مجسداً لما أمن به , أعطى حركته كل شيء , فكان الأداء
الخلاق والإبداع بالقول والممارسة والاخلاص والتضحية .
القائد / أبو نزار كان رمزاً للعطاء وبلا حدود تميز بنضاله الدؤوب من أجل بناء الوحدة الوطنية وانتصاراً للحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وبناء دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله تعالى , فاستحق الخلود عن جدارة في وجدان الشعب الفلسطيني .
لقد كان مناضلاً صلباً وفارساً قدم حياته من أجل وطنه ورفعته , أن تراث القائد الكبير / صخر أبو نزار الذي خلفه بعد رحيله سوف يكون نبراساً تهتدي به أجيالنا الصاعدة بإذن الله .
القائد صخر حبش أحد الكتاب المميزين في حركة فتح ومسطر كتاب (النقد والنقد الذاتي) و (تطور الفكر الفتحاوي) من بين كتب أخرى كثيرة أصبحت تُعد من أدبيات حركة فتح , كان أبو نزار رئيس تحرير دورية (فتح) لسنوات طوال صاحب النفس الطويل والثورة المستمرة , لم يخلع بزته الخضراء المتواضعة حتى وفاته .
لم يكن القائد/ أبو نزاز يناور أو يداور , فكان واضحاً في آرائه يعبر عنها بإقتناع حتى لو صدمت أو خالفت الأخرين , فكان حُراً مقداماً وهي سمة الكتاب والمفكرين الحقيقين , ألف القائد / ابو نزار العديد من الكتب , وكتب الكثير من المقالات والدراسات عن حركة وعن العلاقات العربية وعن الدولة الفلسطينية وعن الدور الأمريكي وعن الثوابت الوطنية والإحتلال الصهيوني , ولم يترك مجالاً في السياسة أو الفكر التنظيمي إلاَ وكتب فيه , والى ذلك رحمه الله كان شاعراً فذاً كتب الشعر بأنواعه كما كتب الشعر العامي وإشتهرت له قصيدة أصبحت لازمة له هي قصيدة ( لازم تزبط عام 1974) وقصيدة (دليله الملحمية) , ثم قصيدته الرائعة عن أبي عمار التى كتبها تحت عنوان (سيد البشري).
بذل القائد / صخر أبو نزار جهوداً كبيرة في مجال الوحدة الوطنية وعزز التفاهم والتنسيق في إطار لجنة القوى الوطنية والإسلامية حيث بقى مدافعاً شجاعاً عن المشروع الوطني وعن الوحدة الوطنية والديمقراطية والحرية حتى الرمق الأخير من حياته .
القائد / صخر حبش أعطى كل ماعنده لثورته ووطنه وقضيته العادلة . لقد كان صخر أبو نزار ديمقراطياً عند النقاش وحاسماً عند التطبيق .
وعلى الرغم من المسافة الفاصلة مابين الرحيل والذكرى فإن حضوره لم يغيب عنا , فهو حاضر في كل محطة نضالية رئيسية وعند المفاصل التاريخية وفي منعرجات وصعوبات المواجهة مع العدو , وعند كل أزمة داخلية حيث كلماته وأعماله حاضرة بيننا وفي دوائر القرار , لقد غاب عنا أبو نزار بجسده الاً أنه باقٍ فينا وحاضر معنا بعمله .
اننا نحتاجك بيننا في هذا الزمن التى تمر فيه قضيتنا بمصاعب مضاعفة ونحن نخوض معركتنا السياسية لانك كنت فارس هذه المراحل .
أننا في ذكراك الخالدة نتوقف امامك بخشوع لأنك تعيش فينا , نتجدد بكلماتك ونقوى بك وبأمثالك , إننا نتجدد بك وبهم ونتعلم الدروس منك ومنهم رغم كل الألم والقهر والتآمر , وحتماً سوف نتغلب على مصاعبنا بالحكمة والإرادة ومع رحيل كل واحد من هؤلاء الرواد الأوائل في الحركة تخسر حركة فتح أحد الشخصيات الهامة الذي يمكن أن يروي تجربة طويلة وكبيرة وعميقة من تاريخ ثورتنا المعاصرة , والتي لم يتم تأريخها للأسف حتى الآن وكتابة أسطرها بأيدي هؤلاء الرجال الفتحاويون وبألسنتهم , هذا التاريخ الذي بدأ يندثر رويداً رويداً , ولابد من الإسراع في كتابته وتخصيص مركز لتوثيق ذلك التاريخ عن هؤلاء القادة وعن سيرتهم الطويلة .
انتقل القائد صخر أبو نزار إلى جوار ربه بتاريخ 2/11/2009 ودفن في مدينة رام الله
رحم الله القائد / صخر حبش وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.